* فقوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) يشير إلى أمرين : أولهما : أن ظرف الإسراء كان ليلا ، وثانيهما : أنه كان بحيث لم يشعر به أحد ، بل وقع فى ستر ، بحيث لم يلحظه أحد من المتصلين بالنّبيّ ، القريبين منه ، الذين كانوا يشاركونه الحياة فى بيته ، وفى الحجرة التي كان ينام فيها.
ونستظهر من هذا أمرين أيضا :
أولهما : أن الإسراء بالرسول ، صلوات الله وسلامه عليه ، كان بجسده ، ولم يكن بروحه الشريف وحده .. وأنه لو كان بروحه لما جاء التعبير القرآنى عنه بلفظ «أسرى» الذي يدلّ فى ذاته على الستر والخفاء ، ولما جعل هذا السّتر فى مضمون ستر آخر هو الليل ، كما يقول سبحانه : «ليلا» ..
وثانيهما : أن هذا الإسراء بالنبيّ الكريم ، لم يكن معجزة متحدّية ، وإنما هو رحلة روحيّة ، واستضافة من الله الرحمن الرحيم ، للنبىّ ، فى رحاب ملكوته ، حيث يشهد من ملكوت الله ، ويتزود من ألطاف الله ، ما لم يشهده بشر ، وما لم يتزود به إنسان!
هذا ، وقد كان للإسراء حديث طويل متصل ، امتلأت به كتب التفسير ، والسّير ، وقد دخل على هذا الحدث كثير من الخيال ، وكثير من الكذب والدسّ ، حتى كاد يختنق الشعاع المنبعث منه ، وتغيب عن نظر الناظر فيه ، مواقع العبرة والعظة منه ..
ولهذا رأينا أن نقف من هذا الحدث وقفة ، ندفع بها ما نستطيع دفعه من هذا الضباب المتكاثف حول «الإسراء» ، حتى يستطيع المسلم أن يرى وجه هذه الآية الوضيئة التي اختص الله سبحانه وتعالى بها خاتم النبيين ، وإمام المرسلين ..