وهو ـ لو عقلوا ـ حجة عليهم .. لأنه يعنى أنه كلما قرأ النبىّ قرآنا ، دخل عليه الشيطان ، وألقى فيما يقرأ بما يريد ، حتى يفسد مادة القرآن ، ويغيّر وجهها ، ويطفىء نورها ..
والذين يروون هذه القصة ، لم يجيئوا بحادثة أخرى ، كان للشيطان فيها إلقاء فى قراءة النبىّ ، على نحو ما رووه فى هذه القصة المفتراة!
ثم إن الذين قالوا : إن النبىّ سها فوقع هذا الخاطر فى قلبه ، أو جرى سرّا على لسانه ، ثم التقطه الشيطان فأذاعه .. أو إن النبي أخذته سنة فجرى على لسانه هذا القول عند قراءته ، بحكم النوم ـ هذا يعنى أن النبي ، صلوات الله وسلامه عليه ـ كان فى حال يقظته يعيش مع هذه الخواطر ، ويراود نفسه بها ، وأن عقله اليقظ ـ كما يقول علماء النفس ـ كان يأبى عليه أن يصرّح به ، فلما نام أو سها ، انحلّت هذه الخواطر من عقال العقل اليقظ ، وانطلقت لا شعوريا إلى الخارج ، فكانت حديثا مسموعا .. وهذا يعنى أيضا أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ معترف فيما بينه وبين نفسه بهذه الأصنام ، وبأنها غرانقة علا ، وأن شفاعتها ترتجى ، وأنه إذا لم يكن يصرح بذلك ، وهو فى حال اليقظة ، فقد صرّح به سهوا ، أو حين أخذته سنة من النوم! .. وهذا يعنى ثالثا ، الكفر ، والنفاق معا ..! وإنه لهو الكفر الذي يدمغ به كل مسلم ، تقع فى نفسه أية شبهة من الشبه تحوم فى سماء النبوّة الصافية ، المشرقة بنور ربّها.
وبعد هذا كله ، وقبل هذا كلّه ، فإن فيصل الحكم فى هذا الموقف هو كلمة واحدة : نبى ، أو غير نبيّ؟ رسول أو غير رسول؟
فإن كان «محمد» صلوات الله وسلامه عليه ، غير نبىّ ، وغير رسول ، فهذا موقف له حسابه وتقديره ، وللكلام الذي يقال فيه حساب وتقدير ..