مفارقة الروح للبدن ، هو أحد الأسباب الموصلة للإنسان إلى النعيم الأبدى .. فهو وإن كان فى الظاهر فناء واضمحلالا ، فهو فى الحقيقة ولادة ثانية .. إن الإنسان فى دنياه جار مجرى الفرخ فى البيضة ، فكما أن من كمال الفرخ تفلّق البيضة عنه وخروجه منها ، كذلك من شروط كمال الإنسان مفارقة هيكله .. ولو لا الموت لم يكمل الإنسان!».
ثم يقول : «فالموت إذن ضرورى فى كمال الإنسان ، ولكون الموت سببا للانتقال من حال أوضع إلى حال أشرف ، سمّاه الله «توفّيا» وإمساكا عنده : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ، وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) (٤٢ : الزمر).
ثم يقول الراغب : «فالموت هو باب من أبواب الجنة ، منه يتوصّل إليها ، ولو لم يكن الموت ، لم تكن الجنة ، ولذلك منّ الله به على الإنسان .. فقال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (٢ : الملك) .. فقدّم الموت على الحياة ، تنبيها إلى أنه يتوصل به إلى الحياة الحقيقة ومن هنا عدّ نعمة ..
وقال سبحانه أيضا : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ .. ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) فجعل الموت إنعاما ، لأنه لما كانت الحياة الأخروية نعمة لا وصول إليها إلّا بالموت ، فالموت نعمة ، لأن السبب الذي يتوصّل به إلى النعمة ، نعمة .. وعلى هذا جاء قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ .. فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ .. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) (١٤ ـ ١٦ المؤمنون) ـ فنبّه على أن هذه التغيرات متجهة إلى خلق أحسن ..
ويقول الفيلسوف المسلم «محمد إقبال» :