«إن كائنا ـ يعنى الإنسان ـ اقتضى تطوّره ملايين السنين ، ليس من المحتمل إطلاقا ، أن يلقى به كما لو كان من سقط المتاع .. وليس إلّا من حيث هو نفس تتزكى باستمرار ـ يمكن أن ينسب إلى معنى الكون .. (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (٧ ـ ١٠ : الشمس) .. وكيف تكون تزكية النفس وتخليصها من الفساد؟ إنما يكون ذلك بالعمل : (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (١ ـ ٢ : الملك) ـ فالحياة تهيىء مجالا لعمل النفس ، والموت هو أول ابتلاء لنشاطها المركب».
* * *
وننتهى من هذا كله إلى حتمية البعث والحياة بعد الموت ..
وإنه قبل أن تجىء الديانات السماوية ، وقبل أن تقول كلمتها فى الحياة الآخرة ، قالت الإنسانية كلمتها .. قالتها شعرا ونثرا .. وقالتها شعوذة وفلسفة! وأعدّت نفسها للحساب بين يدى قوة عليا ، بيدها وحدها الجزاء الأوفى لكل عمل ..
ففى الديانات المصرية القديمة مثلا ، كان يحمل الميت معه دفاعا مكتوبا ، يلقيه بين يدى المحاسب العظيم .. وهذا ، مثل من صور هذا الدفاع :
«سلام عليك .. أيها الإله العظيم .. ربّ الصدق والعدالة .. لقد وقفت أمامك يا ربّ ..
«وجىء بي لكى أشاهد ما لديك من جمال!!
«أحمل إليك الصدق .. إنى لم أظلم الناس .. لم أظلم الفقراء .. لم أفرض