وأفضل ذوى الإرادة والاختيار ، الناظر فى العواقب ، وهو الإنسان ـ فيعلم أن النظر فى العواقب من خاصية الإنسان ، وأنه ـ سبحانه ـ لم يجعل هذه الخاصيّة له ، إلّا لأمر جعله فى العقبى ، وإلا كان وجود هذه القوة فيه باطلا!
«فلو لم يكن للإنسان عاقبة ينتهى إليها غير هذه الحياة الخسيسة ، المملوءة نصبا وهمّا وحزنا ، ولا يكون بعدها حال مضبوطة ـ لكان أخسّ البهائم أحسن حالا من الإنسان!! فيقتضى هذا أن تكون هذه الحكم الإلهية ، والبدائع الربانية ، التي أظهرها الله فى الإنسان عبثا ، كما نبّه الله تعالى بقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ ..) فإن إحكام بنية الإنسان ، مع كثيرة بدائعها وعجائبها ، ثم نقضها ، وهدمها من غير معنى سوى ما تشاركه فيه البهائم من الأكل والشرب ، مع ما يشوبه من التعب الذي أغنى عنه الحيوان ـ سفه» «تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا».
* * *
قوله تعالى :
(فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ).
هو تنزيه لله سبحانه وتعالى ، أن يكون خلق الخلق عبثا ، وأنه سبحانه يميتهم ، ثم لا يبعثهم .. إن هذا لا يليق بالملك العظيم ، الحقّ ، الذي لا إله إلا هو ربّ العرش الكريم ..
وفى وصف الله سبحانه وتعالى لذاته الكريمة العلية ، بهذه الأوصاف الجليلة ما يشير إشارة مبينة إلى تقرير هذين الأمرين : الخلق ، والبعث ، وأنهما من شأن «الملك» الذي قام ملكه على الحقّ ، والذي لا إله معه ، يشاركه الخلق والأمر ، فيعطل مشيئته ، أو ينقض حكمته ..
ثم إن فى وصفه ذاته سبحانه وتعالى بالكرم ، إشارة أخرى ، إلى أن