أن يكون له دافع من عقل أو رأى .. إنه حركة آلية ، لا يشترك فيها من كيان الإنسان إلّا اللسان .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) ـ أي أن هذا الحديث المدار بينكم فى هذا الأمر ، هو حديث ألسنة ، لا تنطق عن علم ، ولا تأخذ عن عقل ، أو منطق .. إنه حديث لسان يأخذ عن لسان ، حتى دون أن يمر على الأذن! (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ).
وإنه لإعجاز من القرآن الكريم هذا التصوير المعجز الشائعات السوء ، حين تجد من الناس آذانا مصغية إليها ، ونفوسا مستجيبة لها .. إنها حينئذ تنطلق فى سعار وجنون ، بحيث لا تدع للناس فسحة من الوقت يتلقونها بآذانهم ، ثم يديرونها فى عقولهم ومشاعرهم ، ليكون لهم خيار فى قبولها أو ردها ، بل إنه يلقى بها على ألسنتهم خلقا مصنوعا ، مجهزا للتعامل به على صورته تلك .. إنها كلمات مردّ الحكم فيها إلى الألسنة .. فلتذقها الألسنة إذن ، ولتحكم عليها بما تذوق منها .. وإن كثيرا من الناس ، ليقفون بالكلام على حدود ألسنتهم ، ويفوّضون لها الأمر فيما تقبل منه أو ترفض .. وإن لكلمات السوء لحلاوة على ألسنة أهل السوء والفساد ، يترشفونها كما يترشفون الماء البارد على ظمأ ، فى يوم قائظ!.
وفى قوله تعالى (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) تحذير لهؤلاء الذين يستخفّون بالكلمة ، وينفقون من رصيد ألسنتهم بغير حساب .. ظانين أن ذلك لا يضيرهم فى شىء أبدا ، ما دام الذي ينفقون لا يكلّفهم جهدا أو مالا ..