وهذا ظن خاطئ .. فالكلمة ليست مجرد صوت ينطلق من فم ، وإنما هى ـ فى حقيقتها ـ رسالة من الرسالات إلى عقول الناس ، قد تكون طيبة ، فتحمل إليهم الخير والهدى ، وقد تكون خبيثة ، فتسوق إليهم البلاء والهلاك .. وقد ضرب الله مثلا للكلمة الطيبة فقال سبحانه : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ..) وكذلك ضرب الله مثلا للكلمة الخبيثة ، فقال سبحانه : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) (٢٤ ـ ٢٦ : إبراهيم) ..
فالكلمة فى حساب المبطلين ، والمفسدين ، وأصحاب النفوس المريضة ، والعقول الفارغة ـ شىء رخيص ، لا وزن له ، ولا ثمن للقليل أو الكثير منه ..
وهى عند أهل الرأى والعقل ، والحكمة ، والإيمان .. شىء عظيم ، هى آية الله فى الإنسان .. بها كان إنسانا ، وكان خليفة الله فى الأرض .. وبالكلمة خلق الله السموات والأرض ، وما فيهن ومن فيهن .. وبالكلمة صاغ الإنسان هذه المصنوعات التي ملأ بها وجه الأرض. فلولا الكلمة ما ولدت الأفكار ، ولو لا الأفكار ما ظهر للإنسان عمل أكثر من عمل الحيوان على الأرض ..
وهذا الحديث الآثم ، الذي انطلق فى آفاق المدينة ، وتداولته بعض الألسنة فى غير تحرج أو تأثم ، هو أخبث ما تنطق به الأفواه من كلم ، إذ كان زورا وبهتانا ، وافتراء على الحق فى أرفع منازله ، وعدوانا على الطهر فى أشرف مواطنه ..
قوله تعالى :
(وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا .. سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) ..