عن جميع المتعاطفين .. هكذا : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ..)!
ثم إنه حين جاء ذكر الأقارب ، لم يجىء رفع الحرج عنهم نصّا مصرّحا به ، بل جاء بالحمل على الحكم الذي كان للمعطوف عليهم ، وهم هؤلاء العجزة! .. ولكأن المعنى هو: «حتى ولا على أنفسكم حرج» ..
ـ وفى قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ) ـ إشارة إلى صنفين آخرين من الناس ، ليس عليهم حرج فى أن يأكلوا مما ليس لهم .. والصنف الأول ، هم الذين فى أيديهم مفاتيح غيرهم ، كالوكلاء ، والأوصياء ، وغيرهم ، ممن يتولّون شئون غيرهم ، وحفظ أموالهم وأمتعتهم ، فهؤلاء لهم أن يأكلوا مما تحت أيديهم ، بالمعروف ، من غير إسراف ، وذلك إذا كانوا فى حاجة إلى هذا الذي يأكلونه .. كما يقول سبحانه : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) (٦ : النساء) .. أما الصنف الآخر ، فهم الأصدقاء ، إذ أن لهم على أصدقائهم هذا الحق الذي يجعل لهم مما فى أيدى أصدقائهم شيئا ، أقلّه هو لقمة الطعام عند الحاجة .. لأن الصداقة ، لا تكون صدقا إلا إذا وصلت بين الصديقين بحبل المودّة والإخاء ..
هذا ، ويلاحظ فى الآية الكريمة أمران :
أولهما : أنها لم تذكر الأبناء ، بالنسبة للآباء ، على حين ذكرت الآباء ، وفتحت بيوتهم للأبناء .. وذلك لأن الأبناء لا يتحرّجون أبدا من أن يطعموا مما يجدون فى بيوت آبائهم .. وكيف وقد أنبتتهم هذه البيوت ، وغذتهم منذ الولادة إلى أن صاروا رجالا .. فهل تنكرهم هذه البيوت بعد هذا؟ وهل يجد أحد منهم وحشة فى دخولها ، وتناول طعامه منها؟ ذلك