مال ، ومتاع ، وطعام ، وإن كان ملكا خالصا له ، يتصرف فيه بما يشاء ، وكيف يشاء ـ إلا أن ذلك ليس على إطلاقه فى مفهوم الشريعة الإسلامية ..
فالشريعة مع تسليمها بحق الإنسان بالتصرف فيما يملك ، وبالتسلط على ما فى يده من مال ومتاع ـ لا تعزل المسلم عن المجتمع الذي يعيش فيه ، ولا تعزل المجتمع عنه فهو ـ أيّا كان ـ خلية فى هذا المجتمع ، وعضو من أعضاء هذا الجسد الكبير .. وأن ما يملكه الإنسان ليس ملكا خالصا له ، وإنما تتعلق بهذا الملك حقوق لله ، وللوالدين والأقربين ، والفقراء والمساكين ، وابن السبيل ، والمجاهدين فى سبيل الله ..
هذا ما ينبغى أن يقيم عليه المسلم ، شعوره فى كل ما يملك .. إن له فى هذا الملك شركاء ، منظورين ، وغير منظورين ..
وإذن فلا يغلق بابه على ما فيه من طعام ، ولا يمسك يديه عما معه من مال ، وإنه لن يكون على شريعة الإسلام إذا خلت نفسه من هذا الشعور ، أو ضنّ بما تعلق من حقوق فيما بين يديه من فضل الله ..
وعلى هذا نجد ما جاءت به الآية الكريمة من رفع الحرج عن أصحاب البيوت أن يأكلوا من بيوتهم ، هو إلفات حكيم لأصحاب البيوت إلى أنهم ليسوا هم وحدهم أصحابها ، والمستأثرين بما فيها ، وأن هناك أصحاب حقوق يشاركونهم فيما فى هذه البيوت ، فإذا جاء أحد أصحاب الحقوق يطرق أبوابهم ، فليفتحوا له ، وليؤدوا إليه حقه! وألا إن الطارقين لكثيرون .. يأتون إليهم من قريب وبعيد .. فلا يضيقوا بهم ، ولا يضجروا .. إنها حقوق يجب أن يؤدوها لهم ، وأن يبرئوا ذمتهم منها ، إن كانوا مؤمنين بالله ، مطيعين لما يأمر به الله .. وهنا يرفع الحرج عما يملكون ، فى أن ينتفعوا به ، ويطلقوا أيديهم للتصرف فيه ، بعد أن أدّوا ما عليهم من حقوق .. وإلا فإن الحرج قائم .. حتى تؤدى هذه الحقوق ..