شبها ، وجعل بعضها إنسيّا ، وجعل بعضها وحشيّا ، وبعضها عاديا ، وبعضها قاتلا ..
وكذلك الدرّة والخرزة ، والنمرة ، والجمرة .. فلا تذهب إلى ما تريك العين ، واذهب إلى ما يراك العقل ..
«وللأمور حكم ظاهر للحواس ، وحكم باطن للعقول .. والعقل هو الحجة .. وقد علمنا أن خزنة النار من الملائكة ، ليسوا بدون خزنة الجنة ، وأن ملك الموت ليس دون ملك السحاب ، وإن أتانا بالغيث ، وجلب الحياة» (١).
والذي يعنينا من هذا الكلام ، أن الموجودات إنما تأخذ كيفيتها على حسب مدركاتنا ، أو بمعنى أصحّ ، أننا نكيّف الموجودات حسب وقوعها على حواسنا ومدركاتنا ..
وإذا كان الإسلام قد جعل معيار الأخلاق وتقويمها إلى بصيرة الإنسان ، يحتكم فيها إلى قلبه ، ويرجع فيها إلى ضميره ـ فإنه لم يغفل عن الجانب الضعيف فى الإنسان ، ذلك الجانب الذي تهبّ من جهته الأهواء الذاتية ، والشهوات الشخصية ، فتثير الاضطراب فى كيان الإنسان ، وتنذره بالهلاك الذي يتهدد سفينته الضاربة فى محيط الحياة .. ففى كيان الإنسان نفس أمّارة بالسوء ، ورغبات نزّاعة إلى الهوى ..
لهذا كانت تعاليم الإسلام ، موجهة إلى تقوية هذا الجانب الضعيف فى الإنسان ، ودعمه بكل ما يضمن للإنسان الأمن والسلام من هذا الجانب ، لو أنه اتبع وصايا الشريعة ، وعمل بها.
__________________
(١) الحيوان .. للجاحظ. جزء ١ ص ١٩٧.