منفذا ينفذون به إلى القول بأن القصص القرآنى ـ شأنه شأن القصص التأريخي ـ لا يكون قصصا إلا إذا لوّنه القاصّ بألوان من خارج الواقع ، وجعل لنفسه سلطانا على الأحداث ، فيغيّر ويبدّل ، كما تقتضى الحال ، ويستدعى المقام ، حتى تكون القصة مقبولة مستساغة ، بما فيها من فنّ وإبداع!!
دعاوى متهافتة :
والحق أن هذه الاعتراضات كلها مما حكات باطلة ، وتلبيسات فاسدة ، لا تقوم على أساس من الحجة الواضحة ، والمنطق السليم ..
فالقول بأن القصص القرآنى لم يحمل في أطوائه الأحداث التي جاء بها ، متلبسة بكلّ ما صحبها من صور وأشكال ، ساكنة ومتحركة ، فى مجال الزمان والمكان على السواء ـ هذا القول ـ على تسليمنا به ، لا تقوم منه حجة أبدا على أن القصص القرآنى قد بعد ـ مع هذا ـ عن الواقع في كثير أو قليل .. بل إنه احتوى الواقع كلّه ، واشتمل عليه ، وأخذ لبّه ، والصميم منه ..
ذلك أن الحياة كلها ، بأزمنتها وأمكنتها ، وأشخاصها وأحداثها ، حاضرة عتيدة كلها ، بين يدى الحكيم العليم ، واقعة في علم من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ..
وهذا القصص الذي جاء به القرآن ، لم يكن تأريخا للحياة كلها ، وأحداثها وإنما هو عرض لبعض المواقف ، وكشف عن بعض الأحداث ، التي من شأنها أن تحدث في النفس أثرا ، وتقيم في الضمير وازعا ، وتفتح على العقل والقلب مواقع ماثلة للعبرة والفطنة.
فالقصص القرآنى. لا يمسك بالأحداث الواقعة في الحياة كلها ، وإنما يمسك من الأحداث والوقائع ، بما يراه مجلّيّا عن عبرة ، كاشفا عن عظة ،