العمل فيما هو لدنياهم ـ أن يجيدوا بعض الإجادة ، ويحسنوا بعض الإحسان ، لما بعد هذه الحياة الفانية.
(وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ).
فقد كان القوم على بسطة خارقة في الجسم ، ومع هذه البسطة الخارقة فى الجسم قوة طاغية في الحرب والقتال .. وتلك نعمة أساءوا استعمالها ، فاستبدّوا بمن حولهم ، وأزعجوا أمّن جيرانهم ، بغيا وعدوانا في غير رحمة .. فكانوا أشبه بالوحوش الكاسرة ، تقتل كل ما يقع ليدها من حيوان أو إنسان ، فى حال جوعها وشبعها على السّواء .. إنها تغذّى طبيعة الافتراس على أية حال .. وشأن القوم مع هذه العظات ، شأن كل غويّ ضال ، قد استبدّ به ضلاله ، فلم ير إلا ما يراه ، وهو الأعمى الذي لا يرى إلا ظلاما وأوهاما ..
يلقاهم الداعي الكريم بهذا النذير : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) فيلقونه بهذا الرد الهازئ الساخر.
(سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ)!!
إننا لا نسمع لك قولا ، ولا نقبل منك رأيا.
(إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ).
أي فما هذا الذي تحدث به إلا أكاذيب وأضاليل ، تحدّث بها أناس قبلك ، وتوعدوا الناس بالعذاب ، فلم يقع شىء مما تحدثوا به.
(وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)
إن كان هناك حقا عذاب. فنحن أقوى الناس قوة ، وأعزهم مكانا ، وأمنعهم سلطانا ـ فكيف نعذب؟ إنما يعذب هؤلاء الضعفاء ، الذين لا يملكون ما يدفعون به عن أنفسهم الأيدى التي تمتد إليهم بأذى! .. ذلك ظن من غرهم