العين ، فلما عاد إلى قريش ، حدثهم بما رأى ، وما وقع في نفسه من هذا الذي رآه ، فقال: «يا معشر قريش .. إنى قد جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه ، والنجاشيّ في ملكه .. وإنى والله ما رأيت ملكا في قوم قط ، مثل «محمد» فى أصحابه .. ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشىء أبدا ، فروا رأيكم» (١)
وخذ مثلا آخر
وقع خبّاب بن عديّ ـ رضى الله عنه ـ فى يد قوم من المشركين قبل الفتح ، وأراد القوم أن يتقربوا به إلى قريش ، ليكون في ذلك بعض الشفاء لهم مما في قلوبهم من موقعة بدر .. وحين قدّم خباب للقتل ، قال له أبو سفيان ، فى شماتة واستخفاف : «أيسرّك أن محمدا هنا تضرب عنقه ، وأنك في أهلك؟» فقال خبّاب في ثبات جنان ، وقوة إيمان : لا ، والله ما يسرنى أنى في أهلى وأن «محمدا» فى مكانه الذي هو فيه ، تصيبه شوكة تؤذيه.»(٢)
فانظر إلى هذا الحب ، وإلى تلك المشاعر القوية الصادقة المنبعثة منه ، والتي تعلو بصاحبها فوق كل ما يحرص عليه الناس في دنياهم من نفس ، وأهل ، ومال ..
رجل بين النطع والسيف ، يهيج فيه أبو سفيان غريزة الحب للأهل والولد ، فى تلك الساعة ، والموت منه بمرصد ، ويعرض عليه أمنية يكون فيها خباب بين أهله ، ومحمد في هذا الموقف الذي فيه خباب .. فيندفع خباب يهدر في غيظ وحنق .. لا والله لا أرضى أن أكون في أهلى ، على أن تصيب «محمدا» شوكة وهو في أهله!!
__________________
(١) السيرة لابن هشام : جزء / ٣ ص ٥٦
(٢) زاد المعاد ، من هدى خير العباد / جزء / ٢ ص ٢٧