ثم إنّ في قوله تعالى : (عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) داعية أخرى تدعوهم إلى الاستجابة للرسول ، وفتح عقولهم وقلوبهم لما يدعوهم إليه .. إنهم عشيرته ، وهم أقرب الناس إليه من عشيرته ، وهو ـ بحكم هذه الصلة ـ لا يريد لهم إلا الخير ، ولا يرتاد بهم إلا مواقع الرشاد .. وبخاصة في تلك البينة التي يعيش كل فرد فيها من أجل أهله وعشيرته ، لأن حياته مرتبطة بها ، وإن أي خطر يتهدّدها هو خطر عليه ، وعلى كل فرد فيها ..
قوله تعالى :
(وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
هو أمر بما يقضى به العدل ، فى التسوية بين عباد الله ، فيما ينزل عليهم من آيات الله ، وفيما يفيضه رسول الله على الناس من بر ورحمة ..
فالرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وإن بدأ بدعوة أهله إليه ، فلأن ذلك الذي يدعوهم إليه هو برّ وضعه الله بين يديه ، والأهل والأقربون هم أولى الناس بهذا البرّ ، بعد نفسه ، كما في الحديث الشريف : «ابدا بنفسك ثم بمن تعول» ثم إنه إذ كان هذا الخير هو مما لا ينفد أبدا بالعطاء ، والإنفاق ، بل إنه يزيد على الإنفاق ، ويحلو طعمه كلّما كثرت الأيدى الممدودة إليه ـ فقد كان على النبيّ أن يسع بهذا الخير الذي بين يديه الناس جميعا ، قريبهم ، وبعيدهم .. وأنه إذا بدأ بدعوة أهله إلى هذا الخير ، فإن ذلك لا يجعله يقف عند أهله ، ولا أن ينتظر حتى يجتمع أهله على هذا الخير ، بل إن عليه أن يحتفى بهؤلاء الضيوف الذي سبقوا أهله إلى هذه المائدة التي أعدّها ، ودعا الناس إليها .. فمن سبق كان أولى الناس بأن يأخذ مكان الصدارة منها ، وأن يكون بموضع لحفاوة والتكريم من ربّ الدعوة ، وصاحب المائدة .. سواء أكانوا من الأقربين ، أو الأبعدين ..! (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ).