ومن هذا أيضا ، ذلك الشعر الذي قيل إن الجن رثت به أبا بكر .. ومثله هذا الشعر الذي ينسب إلى الجن في رثاء عمر .. وغير ذلك كثير ، يمكن أن يجتمع منه ديوان كامل ..
فقوله تعالى : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ) هو عزل للقرآن الكريم ، عن أن يكون من تلك المصادر التي يتلقى منها الشعراء شعرهم ، كما يزعم العرب .. ثم إن قوله تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) ـ هو عزل للرسول الكريم ، عن أن يكون على شاكلة هؤلاء الشعراء الذين يأخذون شعرهم عن الشياطين ، كما يزعمون.
فالقرآن الكريم ، فى علوه الذي لا ينال ، أبعد من أن يدخل في وهم الشياطين أن يتطلعوا إليه ، وأن يطوفوا بحرمه .. ثم على فرض أنهم أرادوا ذلك ـ تطاولا وسفها ـ فإنهم لن يبلغوا من هذا مأربا ..
وقد تحدى القرآن الإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، فقال تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٨٨ : الإسراء) فما لهم لا يتصلون بالجن ، ويأخذون عنهم مثل ما أخذ النبي؟
وشأن الرسول في هذا شأن القرآن ، فهو في مقام عال ، وفي حراسة من طهره ، وسموه ، من أن تلمّ به الأرواح الخبيثة ، أو تتعامل معه .. لبعد ما بينها وبينه ، وللاختلاف الشديد الذي بين طبيعتها وطبيعته ..
إن الشياطين ، إنما تتنزل ، وتتعامل مع أقرب الناس شبها بها ، وأكثرهم