أن تشهد كل ما في هذه المواكب ، وأن تتبيّن شخوصها ، وملامحها ، وما تحمل معها من متاع ، وذلك على خلاف ما لو جاءت هذه الحشود في موكب واحد ، يزحم بعضه بعضا ، ويختلط بعضه ببعض ، فإن أخذت العين جانبا ، فاتها كثير من الجوانب ، وإن أمسكت بطرف ، أفلت منها كثير من الأطراف.
والترتيل : ـ كما يقول الراغب في مفرداته «هو اتساق الشيء وانتظامه على استقامة واحدة .. يقال رجل رتل الأسنان (أي منتظمها) والترتيل : إرسال الكلمة من الفم بسهولة واستقامة».
ومن هنا كان «ترتيل القرآن» .. وهو قراءته ، قراءة مستأنية ، فى أنغام متساوقة ، يأخذ بعضها بحجز بعض ، فيتألف منها نغم علويّ ، هو أشبه بتسابيح الملائكة ، يجده المرتّل لآيات الله في أذنه ، وفي قلبه ، وفي كل خالجة منه ..
قوله تعالى :
(وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) ـ هو بيان لحكمة أخرى من حكم نزول القرآن منجما ، وهو أن هذا النزول على تلك الصورة ، يرصد الأحداث الواقعة على طريق الدعوة الإسلامية من مبدئها إلى ختامها .. ثم يطلع على كل حدث ، بما هو مناسب له .. فيحقّ حقّا ، ويبطل باطلا ، ويزيل شبهة ، ويحيى سنة ، ويميت بدعة .. وهكذا ..
ونكتفى هنا بأن نضرب لهذا مثلا واحدا ..
فقد كان من مقولات المشركين. فى إنكارهم للبعث ، قولهم : كيف تبعث هذه العظام النّخرة ، وتلبسها الحياة مرة أخرى؟. وذلك ما حكاه القرآن عنهم فى قوله تعالى : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)