وكرجل ذى مروءة ، لم يجد بدا من أن يسقى للفتاتين ، وقد شهدتا منه قوة ، وعفة .. فلم يعلق نظره بهما ، ولم يتبعهما نفسه ، بلى سقى لهما .. ثم تولى إلى الظل ، حيث كان يجلس من قبل .. وهناك رفع وجهه إلى السماء ، يحمد الله أن ساق إليه هذا الرزق الذي وجده فيما أسدى إلى هاتين الفتاتين الضعيفتين من عون ، وإحسان .. وإنه لفقير إلى مثل هذه الأعمال الطيبة ، ليكفر بها ما كان منه من قتل المصري!!
قوله تعالى :
(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ .. قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
هنا أمور جزئية ، لم يذكرها القرآن ، لدلالة الحال عليها ، وأنها ، لا بد أن تحدث على صورة ما حسب تصور الذي يتلو آيات الله ، أو يستمع إليها .. وهذا من شأنه أن يوقظ شعور المتتبع لأحداث القصة ، حتى يملأ هذا الفراغ كما يتصوره.
فمثلا ما كان من حديث ابنتي شعيب إلى أبيهما عن هذا الغريب الذي سقى لهما ، وعن حاله التي هو عليها ، وعن القوة التي شهدتاها منه ، وعن المكان الذي أوى إليه .. ثم ما كان من مداورة الرأى حول الصنيع الذي يصنعونه مع هذا الغريب .. وهل يبعثون إليه بطعام أو يدعونه إلى البيت ، ليرى الأب حقيقة ما سمع؟
وعلى أيّ ، فقد انتهى الرأى إلى استدعاء موسى ، وأن يندب لهذا الأمر إحدى الفتاتين ، لا كلتاهما ..