إنه ـ والله أعلم ـ ليغلب على الظن ، أنها تلك التي بعث بها أبوها لتدعو هذا الغريب إليه .. وها هو ذا قد جاء .. وربما يرحل غدا أو بعد غد .. فلا تدع الفرصة تفلت من يدها ، وقد رأت بعين الأنثى في موسى ، الرجل الذي هو أهل لها ..
(يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) أي أمسك به عندنا ، ولا تدعه يفلت من يديك ، وذلك بأن تصله بك بعمل .. فهو خير من يعمل لك ، حيث عجزت عن العمل .. (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) .. هكذا تكشف لأبيها عن معدن الرجل الذي يستأجره ، وأنه في الرجال يتزين بأجمل صفتين : القوة ، والأمانة .. وقد رأت قوته فيما كان منه من السقي لهما ، كما رأت أمانته في غض بصره عنها ، وقد جاءته وحدها تدعوه إلى أبيها.
ويستجيب شعيب لهذا الطلب في غير تردد ، ويستشعر بمشاعر الأب ما بنفس ابنته نحو هذا الغريب.
(قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).
وهكذا يجئ شعيب إلى موسى صريحا واضحا ، كما يجئ إلى ابنته أبا حانيا عاطفا ، لا يري حرجا في أن يتخير لابنته الرجل الذي تتتمناه زوجا لها ، ويردها حياؤها عن أن تعرض نفسها عليه.
وما كان أبرع شعيبا وأحكمه ، وأعدله ، فيما بينه وبين موسى من جهة ، ثم فيما بينه وبين ابنته من جهة أخرى.
إنه لم يشأ أن يفرض على موسى واحدة بعينها من ابنتيه هاتين .. فلموسى