(قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ .. وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ).
وهكذا تتم الصفقة بين النبيين الكريمين ، فيظفر شعيب بالقويّ الأمين الذي يبذل في خدمته كل ما عنده من قوة وأمانة ، ويظفر موسى بابنة هذا النبيّ ، التي كان حسن تدبيرها ، ولمعة ذكائها ، وصدق فراستها ، خير سفارة تجمع بين الرجلين ، وتفتح قلب كل منهما لصاحبه قبل أن يلتقيا.
والاتفاق ، على أن يخدم موسى شعيبا ثمانى سنين في مقابل زواج ابنته .. فإن جعل موسى الثماني عشرا فذلك فضل منه ، وإلا فهى ثمان لا أكثر ..
ولا شك أن هذا تدبير حكيم من شعيب ـ عليهالسلام ـ ، إذ لم يشأ أن يضع موسى أمام حكم لازم لا خيار له فيه ، بل جعل له أمرين ، يختار أيهما شاء .. وفي هذا المجال الذي تتحرك فيه إرادة الإنسان شىء غير قليل من الرضا النفسي ، حيث يجد المرء لإرادته مكانا في كيان ، ويستشعر لها حضورا فى هذا المقام ، فيقبل على هذا الأمر أو ذاك ، وهو شاعر بأنه حرّ في اختياره ، غير واقع تحت قوة قاهرة ملزمة ..
وهذا عين ما فعله شعيب ، حين أراد أن يزوّج موسى إحدى ابنتيه .. إنه لم يفرض عليه واحدة بعينها ، بل جعل الأمر بينهما ، حتى يفسح المجال للنظر والاختيار ، له ، ولموسى ، ولابنتيه .. أما موسى .. عليهالسلام .. فلم يكن أقلّ براعة وحكمة من شعيب .. فقد أجاب هذه الإجابة الحكيمة ، التي ترضى شعيبا ، ولا تقيد موسى : (ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) أي هذا الذي قلته أنا موافق عليه ، وهو عقد بينى وبينك .. وهذا فيما يختص بإحدى الابنتين التي سيقع الاختيار عليها .. أما الأجل ، فهو محتمل للأجلين معا