ذلك في مواضع أخرى .. فقال تعالى في سورة الأعراف : (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (الآية : ١١٦).
وقال في سورة طه ، عما وقع في نفس موسى من هذا السحر : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (الآية : ٦٧).
(فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) .. والإفك : ما كان من واردات الضلال والبهتان ..
وهكذا في لمحة خاطفة ، يتبدد هذا السراب ، وتختفى أشباح هذا الضلال. وإذا موسى وقد ملك الموقف ، واستولى على كل ما في الميدان من مغانم ..! وإذا هذا الهرج والمرج ، وهذا الصخب واللجب ، يتحول إلى صمت رهيب ، وسكون موحش ، لا يقطعه إلا السحرة ، وقد استبدت بهم نشوة غامرة ، وغشيتهم صحوة مشرقة ، وإذا هم يخرجون من أحشاء هذا الصمت الرهيب ، ويتحركون في وسط هذا السكون الموحش.
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ* قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ* رَبِّ مُوسى وَهارُونَ ..)!
ويعود الهرج والمرج ، وتختلط أصوات الاستهجان بالاستحسان ، ثم تخمد الأنفاس فجأة ، وتحتبس الكلمات على الألسنة ، وتموت المشاعر في الصدور ، ويفيق القوم من وقع هذه الصاعقة ، إذ يذكرون أنهم في حضرة «فرعون» فتتعلق به الأبصار .. ليطلّ الناس منها على ما يصنع فرعون ، أو يقول.
والحساب هنا مع السحرة أولا ، الذين خذلوا فرعون ، وأذلوا كبرياءه ، وأعلنوا فضيحته على الملأ.
(قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ)؟