يرتابون في أن يكون «محمد» على صلة بالسماء ، وأن يكون هذا الكتاب الذي بين يديه من عند الله ، وقد أقاموا منطقهم هذا على أنه لو كان هذا شأن محمد ، لجاءهم بآية محسوسة ، كما جاء الرسل قبله إلى أقوامهم بآيات محسوسة ، وفي هذا يقول الله على لسانهم: (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) (٥ : الأنبياء) وقد ردّ الله سبحانه وتعالى عليهم بقوله : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي أننى بشر مثلكم ، لا أملك من أمر الله شيئا ، وإنما أنا نذير مبين أبلغكم ما أرسلت به إليكم ...
وقوله تعالى :
(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ ... إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
هو ردّ آخر ، على ما يقترحه المشركون على النبىّ من آيات ، وفي هذا الردّ إنكار عليهم أن يطلبوا آيات مع هذه الآيات التي تتلى عليهم .. إنها آيات لا تغرب شمسها ، ولا يخبو ضوءها أبد الدهر ...
ـ وفي قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً) إشارة إلى أن هذه الآيات لا تحمل معها نذر الهلاك الذي تحمله الآيات التي يقترحونها ، فإنه لو جاءتهم آية من تلك الآيات لكفروا بها ، ثم كان مصيرهم مصير الكافرين المكذبين ، كعاد ، وثمود ، وفرعون! فهذه الآيات القرآنية رحمة من رحمة الله بهم.
ـ وفي قوله تعالى : (وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) إشارة أخرى إلى أن آيات الكتاب في معرض البحث والنظر ، وفي مجال التعقل والتأمل ، يعيش معها الإنسان ما يشاء ، ناظرا فيها ، متأملا مواقع الإعجاز منها ، فيجد بهذا طريقه إلى الحق والهدى ، إذا كان صالحا لقبول الخير ، مستعدا للتجاوب مع الحق!