وحين يرى المشركون هذه الحال ، التي لبست المسلمين من الرضا والطمأنينة ، يتساءلون فيما بينهم. ماذا جرى؟ وأي شىء بدّل حال المسلمين ، فأصبحوا على غير ما أمسوا عليه؟ وتجيئهم الأنباء ، بأن «محمدا» تحدث إليهم بما اعتاد أن يلقاهم به من حديث يقول إنه تلقاه من ربه ، وأن ما حدثهم به اليوم ، هو أن الروم وإن غلبوا فى تلك المعركة التي دارت بينهم وبين الفرس منذ قليل ، فإنهم سيغلبون ، وأن ذلك سيكون بعد بضع سنين!!.
أهكذا الأمر إذن؟ وأ لهذا كانت تلك الفرحة التي تعلو وجوه المسلمين؟ ألا ما أخف أحلامهم ، وما أضل عقولهم؟! ألمثل هذا الكلام ينخدعون؟ وعلى مثل هذا الكلام يبنون قصورا من الأمانى والآمال؟ ألا يزالون على ضلالهم القديم ، ينخدعون بما يحدثهم محمد به ، من أحاديث لا تعدو أن تكون وعودا معلقة بالمستقبل البعيد أو القريب ، لا يمسك المرء منها بشىء ، فى يومه أو غده؟ فأين البعث؟ وأين الحساب؟ وأين الجنة والنار؟ لقد أكثر محمد من تلك الأحاديث إلينا ، وصدّع بها رءوسنا ، وما نرى لذلك ظلا ، وما نشهد له أثرا! ثم ها هى ذى تبلغ الجرأة بمحمد ، فينتقل من الرجم بالغيب فى أحشاء الزمن البعيد ، المضاف إلى ما بعد موت الناس جميعا ، إلى أن يرجم بالغيب فى واقع حياتنا ، مما لا يجاوز مداه بضع سنين؟ إنها عثرة قائلة ، ولن نقيل «محمدا» منها .. فهيا أمسكوا به ، متلبسا بهذا الكذب المفضوح ، واضربوه الضربة القاضية ، وقد سنحت لكم الفرصة فيه!!
هكذا أدار المشركون الحديث حول هذه الآيات ، ووجدوا ـ حسب زعمهم ـ أن فيها فرصتهم ، للنيل من محمد ، وبضربته ضربة فى الصميم من دعوته ...
إنها لسنوات معدودة ، «بضع سنين» تنحصر فيما بين ثلاث وعشر ،