قلة ، فإنهم هم كل أهل الكتاب ، الذين انتفعوا بالكتاب الذي في أيديهم .. أما غيرهم من أهل الكتاب ، فلا حساب لهم ..؟!
وهذه لا شك مما حكات ، متهافتة ، ودعاوى واهية ، تتداعى لأية لمسة من نظرة عقل ، أو لمحة منطق.
ثم من جهة خامسة ، أن قوله تعالى : (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) لا يصدق على العرب إلا في مرحلة من مراحل الدعوة ، وفي بدئها ، أما بعد ذلك فقد دخل العرب جميعا في دين الله ، وآمنوا جميعا بالله ، لا أفرادا معدودين منهم ، كما هو منطوق النظم القرآنى : (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ)! هذا ـ والله أعلم ـ هو الرأى الذي يستقيم على طريق الآية الكريمة ، ويسير في أضواء نظمها المشرق المعجز.
وسنرى ، فى الآيات التالية ما يزيد هذا الرأى وضوحا وتمكينا.
قوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ).
هذا الخطاب للنبى الكريم من ربه سبحانه وتعالى ، يكشف لأهل الكتاب ، الذين كانوا في هذه البيئة الأمية جامعة العلم ، وأساتذة طالبيه ـ هذا الخطاب يكشف لهم عن حقيقة جهلوها وتجاهلوها ، وهى أن هذا الأمىّ فى الأمة الأمية ، لم يكن ممن ألمّوا بشىء من القراءة والكتابة ، حتى على هذا المستوي المتواضع الذي كان لبعض نفر قليل من قومه ، ممن عرفوا القراءة والكتابة ، ومع هذا فهو يحمل في صدره ، وعلى لسانه ، وبين يديه ، كتابا عجبا ، يعلو بسلطانه على كل كتاب ، ويستولى بعلمه على كل علم ، ويقطع بحجته كل حجة ، ويقهر بمنطقه كل منطق ، ويفحم ببيانه كل بيان!!