وأمسينا ليلة مع إبراهيم وليس لنا شيء نفطر عليه ، فرآني حزينا ، فقال : يا ابن بشّار ، ما ذا أنعم الله على الفقراء والمساكين من النعيم والراحة في الدنيا والآخرة؟ لا يسألهم يوم القيامة عن زكاة ، ولا حجّ ، ولا صدقة ، ولا صلة رحم. لا تغتمّ ، فرزق الله مضمون ، سيأتيك. نحن والله الملوك الأغنياء ، نحن والله الذين تعجّلنا الراحة ، لا نبالي على أيّ حال أصبحنا وأمسينا إذا أطعنا الله. ثم قام إلى صلاته ، وقمت إلى صلاتي ، فما لبثنا الّا ساعة ، فإذا برجل قد جاء بثمانية أرغفة وتمر كثير ، فوضعه ، فقال : كل يا مغموم ، فدخل سائل فقال : أطعمونا فدفع إليه ثلاثة أرغفة مع تمر ، وأعطاني ثلاثة وأكل رغيفين (١).
وكنت مارّا مع إبراهيم ، فأتينا على قبر مسنّم ، فترحّم عليه ، وقال : هذا قبر حميد (٢) بن جابر أمير هذه المدن كلها ، كان غرق في بحار الدنيا ثم أخرجه الله منها (٣).
بلغني أنّه سرّ ذات يوم بشيء ونام ، فرأى رجلا بيده كتاب ، فناوله ففتحه ، فإذا فيه كتاب بالذهب مكتوب : لا تؤثرنّ ، فإننا على باق ، ولا تغترّنّ بملكك ، فإنّ ما أنت فيه جسيم ، لو لا أنّه عديم ، وهو ملك ، لو لا أنّ بعده هلك ، وفرح وسرور ، لو لا أنّه لهو وغرور ـ وهو يوم لو كان يوثق له بغد ، فسارع إلى أمر الله ، فإنّ الله قال : (سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (٤) فانتبه فزعا وقال : هذا تنبيه من الله وموعظة ، فخرج من ملكه وقصد هذا الجبل ، فعبد الله فيه حتى مات (٥).
إسحاق بن الضيف : ثنا عليّ بن محمد المعلّم ، عن أبيه ، أنّ
__________________
(١) حلية الأولياء ٧ / ٣٧٠ ، تهذيب تاريخ دمشق ٢ / ١٨٢ ، طبقات الأولياء لابن الملقّن ٨ رقم ٥.
(٢) في تهذيب تاريخ دمشق «حمد» والمثبت يتفق مع التذكرة الحمدونية.
(٣) تهذيب تاريخ دمشق ٢ / ١٩٦ ، التذكرة الحمدونية ١ / ١٧٤ ، ١٧٥ ، رقم ٤٠١.
(٤) سورة آل عمران ، الآية ١٣٣.
(٥) تهذيب تاريخ دمشق ٢ / ١٩٦.