المادة إلى عالم الروح ، الأمر الذي يرى فيه الناس بأرواحهم المطلقة من قيد المادة ، ما لم يكونوا يرونه فى الحياة الدنيا ..
وهذا يعنى أن اختلاف الرؤية للأشياء من حيث مطالعها ، ومن حيث الحواسّ والمشاعر المتعاملة معها ، والمتلقّية لها ـ هو الذي يرى الإنسان هذه التغيّرات التي يراها فى نظام الوجود .. تماما ، كما يرى الإنسان الأشياء من خلال مجهر ، أو من خلال منشور زجاجى ، أو جسم شفاف ملون .. أو مرآة محدبة أو مقعرة .. ونحو هذا .. إنه يراها فى كل مرة على صورة مخالفة لما كان يراها عليه من قبل بعينيه المجردتين ، وعلى صورة مباينة أيضا لما يراها عليه من خلال أي شىء من تلك الأشياء .. وهى هى لم تتغير ولم تتبدل ، وإن بدت أنها متغيرة متبدلة ..
والذي يقول به بعض الحكماء والفلاسفة ، من أن الموجودات ، لا وجود لها فى حقيقتها ، وإنما هى موجودة بفعل حواسنا ، وأنه لو لا هذه الحواس ، لما كان لها وجود .. ويضربون لهذا أمثلة ، بأن فاقد البصر أصلا ينكر وجود النور ، كما أن فاقد حاسّة الشمّ يغيب من عالمه عالم المشمومات .. وقلّ مثل هذا فى بقية الحواس ، من اللمس والذوق ، والسمع ـ نقول إن هذا الذي يقول به بعض الحكماء والفلاسفة ، يشير إلى شىء من هذا الذي نتحدث عنه من أن الاختلاف الذي يقع فى حواسنا للموجودات ، بين ما نراه منها فى الدنيا ، وما نراه منها فى الآخرة هو من عمل حواسنا ، وإن كنا نخالفهم فيما يذهبون إليه من إنكار الموجودات أصلا .. فإن إنكار هذه الموجودات يستلزم ـ تبعا لهذا ـ إنكار وجودهم هم أنفسهم ، وإنكار هذه المقررات التي يقررونها .. فإن فقد العضو أو فقد وظيفته لا يستتبع فقد