ثم تخرج من الشرنقة فراشة (١) على حين يكون الإنسان قد خرج من قبره ، كما تخرج الفراشة من الشرنقة ، وقد تخلّقت لها أجنحة تسبح بها فى الفضاء!
ثم ماذا؟ وماذا؟ وماذا؟
لا جواب الآن .. إن القلم يضطرب فى يدى ، لما تملكنى من روعة هذا الجلال ، ولما أخذنى من وجد ونشوة حيال هذا الإعجاز ، الذي ألمح سنا برقه من بعيد ، وأنا لا زلت على شاطىء هذا البحر الذي لا يحدّه البصر!
وإنّى لأبخس نفسى حظّها ، إن أنا انتزعتها الآن من هذه الحال التي لبستها من غبطة وحبور ، فى هذا المقام الكريم ، لأصوّر بالقلم بعض ما ترى من جلال وروعة ، ولأمسك ببعض ما وقع فى الخاطر من رؤى ومشاهد بين يدى هذه المعجزة الباهرة القاهرة ..
فلتأخذ النفس إذن حظها من تلك النشوة ، وليرتشف القلب كأس هذه الخمر السماوية ، قطرة قطرة .. حتى يرتوى!!
فإذا كان لنا فى غد صحوة من هذا الانتشاء ، وإذا كان لنا فى العمر غد نعيش فيه ـ كان لنا عودة إلى هذا الموقف ، وكان لنا نظر مجدّد فى تلك المعجزة ، وكان لنا قول فيما يؤدّى إليه هذا النظر ..
فإلى غد ـ إن شاء الله ـ وإلى ما يأذن الله لنا به ، من فضله وإحسانه ، حتى يستقيم للقلم طريقه ، ويجد اليد القادرة على الإمساك به ، والسيطرة على زمامه ..
__________________
(١) الفراشة : وهى العذراء تخرج من الشرنقة بعد أن تستكمل وجودها وتتخلق لها الأجنحة فى هذا الدور.