وقد يعترض على هذا ، بأنه مخالف لما هو معروف بأن الجنة ـ ليست جنّة واحدة ، وإنما هى جنات ، وهى منازل ، ولكل جنة أصحابها ، ولكل منزلة أهلها ..
ويدفع هذا الاعتراض :
أولا : أن أهل الجنة ، أو الجنات ، ليس بينهم هذه العزلة الجامدة الباردة ، التي تقيم كل طائفة فى معزل عن الآخرين ، بل إن أهل الجنة وإن اختلفت منازلهم ، وتباينت درجاتهم ، هم فى عالم واحد ، مطلق ، لا حدود فيه ولا قيود .. وهل تكون جنة ويكون نعيم ، ثم يقام على هذه الجنة وذلك النعيم حارس؟.
وثانيا : هذا الاختلاف الذي بين درجات أهل الجنة ومنازلهم عند الله ، هو اختلاف فى درجة التقبّل للنعيم ، وفى مدى القدرة على التناول من هذا النعيم الذي لا ينفد أبدا .. فهناك نفوس كبيرة تستوعب نعيم الجنة كله ، وتلذّ به ، على حين أن هناك نفوسا صغيرة تأخذ من هذا النعيم حسوا كحسو الطير ، ثم تجد فى ذلك شبعها وربّها .. إنها موائد ممدودة ، عليها ما لا يبلغه الوصف من طيبات النعيم .. وإنه لا يردّ أحد عن أي لون من ألوان هذا النعيم ، بل إن كل ما يطلبه المرء منه يجده حاضرا بين يديه .. ولكن هنا يختلف أهل الجنة فى قدرتهم على الأخذ من هذا النعيم ، الذي بين أيديهم ، فبعضهم يأخذ القليل لأنه لا شهوة له إلى أكثر من هذا القليل ، على حين يكون هناك من يجدون القدرة والاشتهاء لكل ما فى الجنة من ألوان النعيم فيذوقون من كل لون ، ويطعمون من كل صنف .. تماما كما نرى ذلك فى الحياة الدنيا ، حيث يجلس المدعوّون إلى