ويذكر النبي الكريم من هذا العتاب الرفيق من ربه ، أنه كان فى مواجهه جماعة من عتاة المشركين ، ومن قادة الحملة المسعورة عليه ، وعلى دعوته ، وقد انتهزها النبي فرصة ، لإسماعهم كلمات الله ، لعل شعاعات من نورها ، تصافح قلوبهم المظلمة ، فتستضىء بنور الحق ، وتفيء إلى أمر الله ، وتتقبل الهدى المهدى إليها .. فإن ذلك لو حدث لانفتح هذا السد الذي يقف حائلا بين الناس ، وبين الإيمان بالله ، ولدخل الناس فى دين الله أفواجا ..
ويذكر النبي أيضا ، من هذا العتاب الرقيق من ربه ، أنه وهو فى مجلسه هذا مع عتاة قومه ، أن هذا الأعمى ، قد ورد عليه ، ولم يكن يعلم من أمر النبىّ ما هو مشغول به ، فجعل يسأل النبي أن يقرئه شيئا من آيات الله ، فلم يلتفت إليه النبي ، وهو يسأل ، ويسأل ، حتى ضاق به الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، وظهر ذلك على وجهه الشريف ..
(عَبَسَ وَتَوَلَّى) ..
والعبوس : تقطيب الوجه ، ضيقا ، وضجرا ، والتولّي : الإعراض عن الشيء ، تكرّها له ..
وإذ يذكر النبىّ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ موقفه هذا ، بعد أن تلقى تلك اللفتة الكريمة الرحيمة من ربه ، ويراجع نفسه عليها ، يلقاه قوله تعالى :
(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى).
وهنا ينتقل النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من حال الغيبة إلى حال الحضور ، فبعد أن كان ينظر إلى ذاته من داخل ، وكأنه مع ذات غير ذاته ، إذا هو يرى ذاته ماثلة بين يديه ، وكأنه هو الذي يحاسبها ويراجعها ، وكأنه هو الذي يخاطب نفسه ، ويقول لذاته : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)!
وتبدو الصورة هكذا :