متكرهين له .. فكأنه إنما يتلهى بهذا الحديث ، الذي لا يجىء بثمر .. وإن كان ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ جادّا فى هذا الحديث كل الجد ، مقبلا عليه كل الإقبال ، ولكنه إنما يضرب فى حديد بارد ، أشبه بمن يريد أن بستنبت الزرع فى الصخر الصلد .. فمن رآه على تلك الحال لم يقع فى نفسه إلا أنه يتلهى بما يعمل ..
قوله تعالى :
(كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ* فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) ..
أي ليس الأمر كما تصورته أنت أيها النبىّ ، ولا على الموقف الذي وقفته هنا ..
(إِنَّها تَذْكِرَةٌ) أي إن دعوتك ، هى تذكرة للناس ، وتنبيه للغافل ، وحسب ..
وليس لك أن تذهب إلى أبعد من هذا .. فمع كل إنسان عقله الذي يهديه ، ومع كل إنسان فطرته التي من شأنها أن تدعوه إلى الحق والخير ، وتصرفه عن الضلال والشر ..
إن رسالة الرسل ليست إلا إيقاظا لهذا العقل إذا غفل ، وإلا تذكيرا لهذه الفطرة إذا نسيت .. وإنه ليكفى لهذا أن يؤذّن مؤذّن الحقّ فى الناس ، فمن شاء أجاب ، ومن شاء أعرض!.
والضمير فى «ذكره» وهو الهاء ، يعود إلى الله سبحانه وتعالى ، فمن شاء ذكر ربه بهذه التذكرة التي جاءته من آيات الله ، التي يتلوها عليه رسول الله ..
قوله تعالى :
(فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ، كِرامٍ بَرَرَةٍ) ..