يدل على قدرة فائقة وتسلط على فن المعقول.
٢ ـ الموضوعية في البحث.
لقد اتسم كتاب ( الوافية ) بالموضوعية التامة في علم الاصول ، إذ قلما يلاحظ فيه الشرود إلى مسائل وأبحاث من علوم اخرى.
وقد أدى حق التمييز بين المسائل الاصولية وما يقع في دائرة البحث في الكتاب منها ، وبين غيرها ، بدقة فائقة في بداية الكتاب ، بنحو يحدد مسار البحث فيه ، فلاحظ ما ذكره في نهاية المقصد الاول من الباب الاول ، وما ذكره في آخر البحث الثالث من المقصد الثاني من الباب الاول.
ومن حيث المصادر التي اعتمدها :
فإنا نفاجأ في هذا الكتاب بسعة مراجعته لكل مصنفات الاصول حتى شملت كتب الاصول للمذاهب المختلفة ، فهو ينقل أحيانا عنها جملا ونصوصا مما يدل على مراجعته لها مباشرة ، فقد حكى عن ( التمهيد ) و ( الكوكب الدرّي ) للاسنوي ، و ( المحصول ) للفخر الرازي ، و ( شرح مختصر ابن الحاجب ) لعضد الدين ، و ( الاحكام ) للآمدي ، و ( شرح جمع الجوامع ) للفاضل الزركشي ، وغيرها.
وهذا إنما يدل على سعة افق تفكيره ، وحرية الرأي عنده ، وحسن اختياره ، فإن تأليفا مثل الوافية ـ جامعا مانعا ـ لا يتكون إلا بمثل هذا الاقدام الجرئ.
مضافا إلى دلالته على الموضوعية العلمية في البحث ، حيث ان هذا العلم يقع في عداد العلوم الآلية ، فهو منطق الفقه ، فكما ان المنطق يعتبر ميزانا لاصل التفكير ، يحدد مسار الاستدلال ويقومه ، فكذلك علم الاصول بالنسبة إلى الفقه ، لانه يحدد العناصر المؤثرة في صحة الاستدلال الفقهي.
ولذا فإن التصنيفات الاصولية لا تتفاوت في العرض والاستدلال والمنهج من مذهب لآخر ، إلا بمقدار الاختلاف بين اللغات من حضارة إلى اخرى ، وهذا لا يؤثر في اصل الهدف المرسوم لعلم الاصول.
* * *