(١٥٨٠) لمّا دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أقربيه إلى الله عزوجل قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقّا ، فإني أفتدي بمالي ، وولدي ، فقال الله عزوجل : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) قال الزّجّاج : و«ما» في موضع رفع. المعنى : ما أغنى عنه ماله وكسبه أي : ولده. وكذلك قال المفسّرون : المراد بكسبه هاهنا : ولده. و«أغنى» بمعنى يغني (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) أي : تلتهب عليه من غير دخان (وَامْرَأَتُهُ) أي : ستصلى امرأته ، وهي أمّ جميل بنت حرب أخت أبي سفيان. وفي هذا دلالة على صحة نبوّة نبيّنا محمّد عليه الصلاة والسلام ، لأنه أخبر بهذا المعنى أنه وزوجته يموتان على الكفر ، فكان ذلك ، إذا لو قالا بألسنتهما : قد أسلمنا ، لوجد الكفّار متعلقا في الرّدّ على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، غير أنّ الله علم أنهما لا يسلمان باطنا ولا ظاهرا ، فأخبره بذلك.
قوله عزوجل : (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) فيه أربعة أقوال (١) : أحدها : أنها كانت تمشي بالنّميمة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والسّدّيّ ، والفرّاء. قال ابن قتيبة : فشبّهوا النّميمة بالحطب ، والعداوة والشّحناء بالنار ، لأنهما يقعان بالنّميمة ، كما تلتهب النار بالحطب. والثاني : أنها كانت تحتطب الشّوك ، فتلقيه في طريق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلا ، رواه عطيّة عن ابن عباس. وبه قال الضّحّاك ، وابن زيد. والثالث : أنّ المراد بالحطب : الخطايا ، قاله سعيد بن جبير. والرابع : أنها كانت تعيّر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالفقر ، وكانت تحتطب فعيّرت بذلك ، قال قتادة. وليس بالقويّ ، لأنّ الله تعالى وصفه بالمال. وقرأ عاصم وحده (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) بالنصب.
قال الزّجّاج : من نصب «حمّالة» فعلى الذّم. والمعنى : أعني : حمّالة الحطب. والجيد : العنق. والمسد في لغة العرب : الحبل إذا كان من ليف المقل. وقد يقال لما كان من أوبار الإبل من الحبال : مسد. قال الشاعر :
ومسد أمرّ من أيانق (٢)
وقال ابن قتيبة : المسد عند كثير من الناس : اللّيف دون غيره ، وليس كذلك ، إنما المسد : كلّ ما ضفر وفتل من اللّيف وغيره.
واختلف المفسّرون : في المراد بهذا الحبل على ثلاثة أقوال (٣) : أحدها : أنها حبال كانت تكون
____________________________________
(١٥٨٠) لم أقف له على إسناد ، وذكره ابن كثير في «التفسير» ٤ / ٦٨١ بصيغه التمريض بقوله : وذكر عن ابن مسعود. والصواب في هذا الحديث المتقدم.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٦٨١ : كانت عونا لزوجها على كفره ، وجحوده وعناده ، فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه في عذابه في نار جهنم ، ولهذا قال تعالى : (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها يزداد على ما هو فيه ، وهي مهيأة لذلك مستعدة له.
(٢) هو صدر بيت لعمارة بن طارق وعجزه :
صهب عتاق ذات مخ زاهق
(٣) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ١٢ / ٧٣٨ : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : هو حبل جمع من أنواع مختلفة. قال ابن كثير رحمهالله : وقال بعض أهل العلم في قوله تعالى : (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) في عنقها حبل من نار جهنم ترفع به إلى شفيرها ثم ترمى إلى أسفلها. ثم كذلك دائما.