سورة الزّمر
وتسمّى سورة الغرف
فصل في نزولها : روى العوفيّ وابن أبي طلحة عن ابن عباس أنها مكّيّة ، وبه قال الحسن ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، وجابر بن زيد. وروي عن ابن عباس أنه قال : فيها آيتان نزلتا بالمدينة : قوله : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) (١) وقوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) (٢) وقال مقاتل : فيها من المدنيّ : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) الآية ، وقوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) (٣). وفي رواية أخرى عنه قال : فيها آيتان مدنيّتان : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) وقوله : (يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) (٤). وقال بعض السّلف : فيها ثلاث آيات مدنيّات : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) إلى قوله : (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (٥).
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣) لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤))
قوله تعالى : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) قال الزّجّاج : الكتاب هاهنا القرآن ، ورفع «تنزيل» من وجهين : أحدهما : الابتداء ، ويكون الخبر (مِنَ اللهِ) ، فالمعنى : نزل من عند الله. والثاني : على إضمار : هذا تنزيل الكتاب ؛ و (مُخْلِصاً) منصوب على الحال ؛ فالمعنى : فاعبد الله موحّدا لا تشرك به شيئا. قوله تعالى : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) يعني : الخالص من الشّرك ، وما سواه ليس بدين الله الذي أمر به ؛ وقيل : المعنى : لا يستحقّ الدّين الخالص إلّا الله (٦). (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) يعني آلهة ، ويدخل
__________________
(١) الزمر : ٢٣.
(٢) الزمر : ٥٣.
(٣) الزمر : ١٠.
(٤) الزمر : ١٠.
(٥) الزمر : ٥٣ ـ ٥٥.
(٦) قال القرطبي رحمهالله في «الجامع لأحكام القرآن» : ١٥ / ٢٠٥ : قال ابن العربي : هذه الآية دليل على وجوب النية في كل عمل ، وأعظمه الوضوء الذي هو شطر الإيمان ، خلافا لأبي حنيفة والوليد بن مسلم عن مالك اللذين يقولان إن الوضوء يكفي من غير نية ، وما كان ليكون من الإيمان شطره ولا ليخرج الخطايا من بين الأظافر والشعر بغير نية.