من بيان السّعاة
حضرته كان مشتغلاً بالأمور الزّراعيّة لتحصيل وسائل المعاش لانّه كان معتقداً بلزوم الكسب لتحصيل المعاش على ما امر به المولى السيد نعمة الله الولي اتباعه مريديه بالكسب وترك البطالة وهو مع ذلك لم يترك المطالعة والتّدريس والتأليف وارشاد الخلق واعانة المساكين وقضاء حوائج المحتاجين بل كان يشتغل بمعالجه المرضى ايضا حتّى صارمشتهراً بالخداقة في الطب. حضرته كان كثير التنسك والعبادة ولم يفت عنه تهجّدا الاسحار وكان مولعاُ باقامة شعائرالدّين والمذهب ؛ مثل صلوة الجماعة ومجالس الّذكر وقراءة القرآن واقامة عزاء اهل البيت عليهم السلام ، وكان قانعاً من الدّنيا في الاكل والّبس باقلهّا ، وكان بأمراتباعه ومريديه ايضاً بالمحافظه على الآداب الدّينية ، واذا رأى او سمع في بعض المريدين خلافاً لم يتمكن في امرالدّين من كظم الغيظ والكتمان بل كان يشدّد ويغلّظ عليه حتّى انّه طرد بعضاً من المريدين على اثرعدم مراقبتهم لآداب الّشرع بعد تذكيره ايناهم للمراقبة وعدم تأثيره فيهم.
ولا غروان نذكر هنا استطراداً خصائص من طريقة النّعمة اللهية :
منها انّ السيد وخلفاءه الى الآن امر جمبع مردبه بمحافظة آداب الّشرع المقدّس النّبويّ (ص) من العمل بالواجبات والسنن وترك المحرمّات بل المكروهات ، لأنّ تخليه القلب عن غيرالله تستلزم اطاعته واطاعة الرّسول واولى الامر واتبّاع احكامه ، لأن المحب لا يجوز له بل لا يمكنه مخالفة امر المحبوب ، وكلّ من ادّعى محبّة الله يلزمه اطاعة اوامره واوامر الرسول حيث قال : قل ان كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ، وما لم يتزيّن الظاهر والجوارح بحفظ حدود الله لا يتأدّب القلب بآداب الرّوحانييّن ، ولهذا ليس في هذه الطريقة ما يخالف الشرع الشريف من الاعتقادات الباطلة والبدع والاعمال المنهيّة حتّى الّسماع ، ومجالس التّذكر ايضاً منزّهة عن جميع هذه الامور.
ومنها انّ الاخوان في هذه الطّريقة مأمورون بترك البطالة والانزواء والرّهبانيّة وبالاشتغال بواحد من الاشغال الدّنيويّه المباحة لتحصيل المعاش حتّى يغنيهم عن غيرهم في المعاش ، لأنّ الانسان محتاج في الدّنيا الى الاكل والّشرب واللّبس المسكن وكلّها من الضّروريّات للحيوة الدّنيوية والوصول اليها يكون اما بالكسب او الّسرقة او السؤال واظهار احتياجه الى الغير ، وكل ما كان بدون رضا مالكه كالغصب فهو داخل في الّسرقة حقيقة ـ وكل ما كان مقروناً بالطّمع فهو من السؤال وكلاهما حرامان عقلاً وشرعاً وعرفاً فيبقى الكسل مباحاً سواء كان فلاحة او تجارة او صنعة او غيرها من المكاسب المختلفة المحلّلة ، فلازم على جميع الفقراء في هذه الطّريقة ان يشتغل كلّ منهم بكسب حتّى لا يكون كلاً على غيره بل لازم ان يكون بحيث ينتفقع به الغير.
ولمّا كان اخوان هذه الطريقة مأمورين بترك الانزواء وبالدّخول في الجماعات صارالبسط فيهم غالباً على القبض المصطلحين عند الصّوفية ، لأنّ غلبة القبض على البسط في السّالك الى الله ، تكون في الاغلب على اثر الانزواء والعزلة عن الخلق ، والدّخول في الجماعات مستتبع للبسط لانّ السالك لازم له ان يشاهد ظهور الحقّ في جميع المظاهر ويحسن المعاشرة والمجالسة مع الجميع لكون محبتهم ظلّاً لمحبةّ الله ، كما قال الشيخ الجليل سعدي الّشيرازي :
بجهان خرّم ازانم كه جهان خرّم ازوست |
|
عاشم برهمه عالم كه هم عام ازوست |
ومنها عدم التّقيّد في هذه الطريقة يكسوه مخصوصة وزيّ معين في الظاهر كالخرقة المخصوصة والتّاج وامثال ذلك المعمولة في كثير من طرق التّصوّف ، بل قال السيّد وخلفاؤه : انّ اللازم للصّوفي لباس التّقوى لاغيره ، ولاغرواذا لم يتلبّس في الظاهر بلباس معيّن وعبادة الل والسّلوك اليه ممكن وجائز في كل لباس وزيّ سواء كان زي اهل العلم او رجال الحكومة او غيرهم ، بخلاف كثير من سلاسل الصّوفية حيث يكون خرقة مخصوصة والتّاج المختصّ به بحيث يكون التّقيّد به لازماً على كلّ من دخل في هذه الطريقة ، وفي بعض الطرق يكون هذا التقّيّد مختصاً بمجالس الّذكرولكن ليس في طريقة النّعمة اللّهيّة هذا التّقيّد اصلاً في مجالس التذكر وفي غيرها اصلاً.
وحضرة المؤلف الجليل ايضا لمّا كان بهذه السيرة وعلى انّه لم يترك واحداً من الواجبات بل المستحبّات