بالكلّ إقرار بالجزء (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) اى الجبل امر الله جبرئيل ان يقلع من جبل فلسطين قطعة على قدر معسكر بنى إسرائيل فقلعها ورفعها فوق رؤسهم قائلين على لسان نبيّنا (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) من الأحكام مطلقة أو من الأحكام الّتى آتيناكم في الميثاق بحسب القالب أو القلب أو من التّوراة أو من نبوّة محمّد (ص) وولاية علىّ (ع) (بِقُوَّةٍ) من قلوبكم وأبدانكم. قيل : قال لهم موسى : امّا ان تأخذوا بما أمرتم وامّا ان ألقى عليكم هذا الجبل فألجئوا الى قبوله كارهين الّا من عصمه الله ثمّ لمّا قبلوا سجدوا وعفروا وكثير منهم عفر خديّه لا لارادة الخضوع لله ولكن نظرا الى الجبل هل يقع أم لا (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) اى في الميثاق من الشّروط أو من الأحكام القالبيّة أو القلبيّة أو من ثواب الموافق وعقاب المخالف ، أو اذكروا ما في رفع الطّور ووقوعه ، أو اذكروا ما فيما آتيناكم من الثّواب والعقاب أو الأحكام ، ونسب الى الصّادق (ع) انّه قال : واذكروا ما في تركه من العقوبة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) اى اذكروا ما أمرناكم لعلّكم تتّقون المخالفة (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) عن الذكر أو عن الأخذ أو عن الميثاق أو عن الوفاء بشروط الميثاق (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) الفضل هو الرّسالة والنّبوّة بوجه الرّسالة والرّحمة هي الولاية والنّبوّة بوجه الولاية ، ولذا فسّرا في بعض الآيات بمحمّد (ص) وعلىّ (ع) لاتّحادهما معهما ولكون النّبىّ والولىّ في الخلق سببا لنزول رحمته وبركته عليهم ودفع العذاب عنهم (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) المضيّعين بضاعتكم لكن وجودهما فيكم سبب لتدارك خسرانكم وتوفيق توبتكم وانابتكم ، والآيات كما مضى تعريض بالامّة فكأنّها خطاب لهم وتذكير لهم بمخالفتهم وتداركها بوجود محمّد (ص) وعلىّ (ع) فيهم (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) فلا تعتدوا ايّها اليهود ولا تعتدوا يا أمّة محمّد (ص) فتعاقبوا بمثل عقوبتهم (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا) بالأمر التّكوينىّ (قِرَدَةً خاسِئِينَ) بعيدين من كلّ خير أو صاغرين أو بمعنى أعمّ منهما (فَجَعَلْناها) اى المسخة أو العقوبة الّتى أخزيناهم بها أو الامّة الممسوخة كما في الخبر (نَكالاً) زجرة وعبرة مانعة عن الاعتداء والمخالفة (لِما بَيْنَ يَدَيْها) للأمم الماضية فانّ الامّة الممسوخة الحاضرة بتوجّههم الى الآخرة ووجود الأمم الماضية في الآخرة وعالم المثال متوجّهون الى الأمم الماضية وهم بين أيديهم ، وكونها عبرة لهم باعتبار أخبار أنبيائهم عن الأمم الآتية واعتدائهم ؛ وعلى هذا فقوله تعالى (وَما خَلْفَها) عبارة عن الأمم الحاضرة في زمان الممسوخة والأمم الآتية فانّ الممسوخة بتوجّههم فطرة الى الآخرة مستدبرون عن الدّنيا ومن فيها ومن سيقع فيها وان كانوا متوجّهين الى الدّنيا اختيارا ، أو المراد بما بين يديها الأمم الحاضرة في زمان المسخ والأمم الآتية فانّ الحاضرة حاضرة بين أيديهم والآتية باعتبار مرور الممسوخة على الزّمان واستقبالهم عليها كأنّها حاضرة بين أيديهم فقوله تعالى : (وَما خَلْفَها) ؛ عبارة عن الأمم الماضية ، أو المراد بما بين يديها الحاضرون في زمان الممسوخة وبما خلفها الآتون ؛ أو المراد القرى القريبة والبعيدة ، أو المراد بالنّكال العقوبة الّتى هي معناه حقيقة ؛ والمعنى جعلناها عقوبة لمعصيتهم الحاضرة والماضية (وَمَوْعِظَةً) تذكيرا وتنبيها على العواقب أو عبرة أو نصحا أو حثّا على التّقوى والطّاعات أو تخويفا عن المعاصي والاغترار بالدّنيا (لِلْمُتَّقِينَ) فانّ غيرهم لا يتنبّهون