الصّفرة مستحسنا بحيث لا يضرب الى السّواد ولا الى البياض (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) لحسنها وبريقها (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) زيادة على ما وصفت بحيث لا يبقى لنا التباس فيها (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) ببيانك روى أنّهم لو لم يستثنوا لما بيّنت لهم آخر الأبد (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) لا تكون مروّضة مذلّلة لاثارة الأرض (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) ولا تكون مروّضة تسقى الحرث بالدّلاء (مُسَلَّمَةٌ) من العيوب (لا شِيَةَ فِيها) لا لون فيها غير الصّفرة يخالطها (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) من أوصاف البقرة وحقيقتها الّتى بها تمتاز عن غيرها وقد عرفناها هي بقرة فلان وأشير في بعض الاخبار انّهم لو ذبحوا أىّ بقرة عمدوا إليها أجزأهم لكنّهم شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم. وفي تفسير الامام (ع) فلمّا سمعوا هذه الصّفات قالوا : يا موسى فقد أمرنا ربّنا بذبح بقرة هذه صفتها؟ ـ قال : بلى ولم يقل موسى في الابتداء انّ الله قد أمركم لانّه لو قال : انّ الله قد أمركم لكانوا إذ قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي وما لونها كان لا يحتاج الى ان يسأله عزوجل ذلك ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول أمركم ببقرة فاىّ شيء وقع عليه اسم البقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها فلمّا استقرّ الأمر عليهم طلبوا هذه البقرة فلم يجدوها الّا عند شابّ من بنى إسرائيل أراه الله في منامه محمّدا (ص) وعليّا (ع) وطيّبى ذرّيّتهما فقالا انّك كنت لنا محبّا مفضّلا ونحن نريد ان نسوق إليك بعض جزائك في الدّنيا فاذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها الّا بأمر أمّك فانّ الله يلقّنها ما يغنيك به وعقبك ، ففرح الغلام وجاء القوم يطلبون بقرته فقالوا : بكم تبيع بقرتك هذه؟ ـ قال : بدينارين والخيار لامّى قالوا : رضينا بدينار فسألها ، فقالت : بأربعة ، فأخبرهم فقالوا ، نعطيك دينارين ، فأخبر أمّه ، فقالت : ثمانية ، فما زالوا يطلبون على النّصف ممّا تقول أمّه ، ويرجع الى أمّه فتضعف الثّمن حتّى بلغ ثمنها ملأ مسك ثور أكبر ما يكون ملأ دنانير ، فأوجبت لهم البيع (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) لغلاء ثمنها وثقله عليهم لانّ ثمنها بلغ الى ملأ جلدها على بعض ما نقل ، أو ملأ جلد ثور أكبر ما يكون دينارا وكان ثقيلا عليهم فانّه بعد ما قبلوه بلغ مقداره الى خمسة آلاف الف دينار ولجاجهم حملهم على أدائها وافتقر القوم كلّهم واستغنى الشّابّ ، ونقل أنّه لم يفتقر أحد من أولاده الى سبعين بطنا. وفي تفسير الامام (ع) انّ أصحاب البقرة ضجّوا الى موسى (ع) وقالوا : افتقرت القبيلة وانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا فأرشدهم موسى (ع) الى التّوسّل بنبيّنا فأوحى الله اليه ليذهب رؤساؤهم الى خربة بنى فلان ويكشفوا عن موضع كذا ويستخرجوا ما هناك فانّه عشرة آلاف ألف دينار ليردّوا على كلّ من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع لتعود أحوالهم على ما كانت. ثمّ ليتقاسموا بعد ذلك ما يفضل وهو خمسة آلاف ألف دينار على قدر ما دفع كلّ واحد منهم ليتضاعف أموالهم جزاء على توسّلهم بمحمّد (ص) وآله (ع) واعتقادهم لتفضيلهم (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) خطاب الجمع للحاضرين مع انّ القتل كان من واحد أو اثنين من الماضين لوجود القتل فيهم ولتعيير الكلّ بوقوع مثل ذلك الأمر الشّنيع فيهم ولانّ القاتل كان منهم ولانّ الحاضرين كانوا مشابهين للماضين ، وكان حقّ هذا ان يذكر مقدّما على قوله (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) الى آخر الآية لكنّه فكّك وقدّم ذلك وأخّر هذا لانّ المقام لبيان مساويهم وبيان المساوى في ذلك كان أتمّ ونوعها أكثر فانّ فيه ذكرا لانكارهم لموسى (ع) واستهزائهم بالأمر بقياسهم الفاسد حيث قالوا : كيف يكون ملاقاة عضو ميّت لميّت سبب الحيوة؟ والاستقصاء في السّؤال