بلغ المشهود في الحلول الى نحو اتّحاد مع الشّاهد كان لسان القارى حينئذ لسان المشهود وان كان ينسب الى نفسه أيضا لكنّ انتسابه الى نفسه عين انتسابه الى المشهود وهكذا سمعه وبصره ويده وهذا القارى قد يرى القرائة من نفسه لبقاء نفسيّة له وقد يراها من المشهود وقد يريها من مبدء هو نفسه ومشهوده ، وهكذا الحال في نفس رؤيته القراءة ورؤيته مشهوده وفي سماعه القراءة وفي حقّ هذا الاتّحاد وأواخر مراتب الحلول قيل بالفارسيّة :
از صفاى مى ولطافت جام |
|
درهم آميخت رنگ جام ومدام |
همه جام است ونيست گوئى مى |
|
يا مدام است ونيست گوئى جام |
وللاشارة الى مراتب الحلول قيل :
انا من أهوى ومن أهوى انا |
|
نحن روحان حللنا بدنا |
وللاشارة الى مراتب الاتّحاد قيل :
من كيم ليلى وليلى كيست من |
|
ما يكى روحيم اندر دو بدن |
وسيجيء تحقيق مقام الحلول والاتّحاد والوحدة إنشاء الله وقد يترقّى السّالك من مقام التعيّنات ويشاهد فعل الحقّ اى مقام المشيّة مطلقا من جملة التعيّنات خارجا عن وجوده أو حالّا في ملكه أو متّحدا معه فيظنّ انّ الفعل هو الله فيجري عليه كلّ الأحوال الّتى ذكرت حين مشاهدة الرّسول أو الملك ، فيظنّ القارى انّه يقرأ على الله أو يسمع من الله وانّ القارى هو الله وقد يترقّى عن رؤية نفسه في البين فلا يرى الّا المشهود سواء كان المشهود هو الرّسول (ص) أو الحقّ المضاف وحينئذ يكون القارى والسّامع والنّاظر والكاتب هو المشهود وهذا هو مقام الوحدة المشهودة لبعض السّلّاك الّتى لا يجوز التّفوّه بها بعد الافاقة وظهور الكثرات وهذه هي الوحدة الممنوعة والى هذا المقام أشار الشّيخ رحمة الله عليه بقوله :
حلول واتحاد اينجا محال است |
|
كه در وحدت دوئى عين ضلال است |
وقيل في حقّه.
آنجا كه توئى چو من نباشد |
|
كس محرم اين سخن نباشد |
فينبغي للقارىء المسخّر للشّيطان ان يجهد نفسه في الخروج من تسخير الشّيطان حتّى لا يصير بتعبير قوله تعالى (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) (الاية) مردودا من باب الرّحمن ، ولذلك امر الله العباد بالاستعاذة من الشّيطان حين قراءة القرآن حتّى لا يصير لسانهم لسان الشّيطان وللقارىء الحاكي ان يتعب نفسه حتّى يخرج من غيبته ويشاهد المحكيّ منه ، وللمشاهد ان يعانى في الخروج من محض المشاهدة حتّى يدخل المشهود في وجوده ويصير حالّا فيه ، ولمن دخل فيه المشهود ان يبالغ في الخروج من الحلول الى الاتّحاد ، وللمتّحد ان يلتذّ حتّى يبقى المشهود وحده ولا يبقى غيره ، وهذا آخر مراتب السّلوك الى الله وهذا أحد وجوه ما ورد في اخبار كثيرة انّه يقال للقارىء القرآن يوم القيامة اقرأ وارق ؛ لانّه ينبغي ان يكون القيامة بانموذجها حاضرة للسّالك ، ونسب الى الصادق (ع) انّه لحقه الغشي في الصّلوة فسئل عنه (ع) فقال : ما زلت اردّد الاية على قلبي وعلى سمعي حتّى سمعتها من المتكلّم بها فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته ، وللتنبيه على انّه ينبغي ان يجاهد القارى حتّى يصير لسانه لسان الله ورد الأمر بالتلبية حين قراءة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) اجابة لندائه تعالى بتصورّ استماعه من الله ، وأمر الله بالاستعاذة حين القراءة وورد : كذلك الله ربّى ؛ حين قراءة سورة التّوحيد.