وترك الشّهوات (اسْتَكْبَرْتُمْ) عن الانقياد للرّسول واتّباعه بعد ذلك مثل ما فعلتم سابقا (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ) اى تكذّبون وأتى بالماضي لفظا للدّلالة على تحقّقه كأنّه وقع والّا فهو مستقبل معنى (وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) أتى هنا بالمضارع لكونه الأصل ولمراعاة رؤس الآي ؛ والمقصود توبيخهم على شيمتهم الذّميمة وتقريعهم على الماضي وردعهم في الآتي ؛ عن الباقر (ع) أنّه قال : ضرب الله مثلا لامّة محمّد (ص) فقال لهم : فان جاءكم محمّد (ص) بما لا تهوى أنفسكم بموالاة علىّ (ع) استكبرتم ففريقا من آل محمّد (ص) كذّبتم وفريقا تقتلون قال : فذلك تفسيرها في الباطن (وَقالُوا) التفات من الخطاب الى الغيبة تبعيدا لهم عن ساحة الخطاب وعطف باعتبار المعنى كأنّه قيل على ما بيّن في الخبر السّابق استكبروا عن محمّد (ص) وكذّبوه وقالوا في مقام الاستهزاء والاستكبار (قُلُوبُنا غُلْفٌ) جمع الأغلف اى قلوبنا في غلاف وحجاب ممّا تدعونا اليه فهي في اكنّة لا يصل إليها قولك ونصحك ، أو جمع الغلاف وأصله غلف بالضّمّتين كما قرئ به فخفّف بإسكان العين والمعنى قلوبنا أوعية للعلوم فلا حاجة لنا الى ما جئت به أو ليس في علومنا خبر منك ولا اثر وفي تفسير الامام (ع) بعد ذكر قراءة غلف بضمّتين وإذا قرئ غلف فإنهم قالوا قلوبنا غلف في غطاء فلا نفهم كلامك وحديثك نحو ما قال الله تعالى : وقالوا قلوبنا في اكنّة ممّا تدعونا اليه وفي آذاننا وقر ، ومن بيننا وبينك حجاب ، وكلتا القرائتين حقّ وقد قالوا بهذا وبهذا جميعا فرّد الله عليهم وقال : ليس الأمر كما يقولون (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) بمحمّد (ص) ولذا لا يتأثّرون ولا يدركون ما يصدّق محمّدا (ص) (فَقَلِيلاً ما) لفظ ما زائد أو صفة لقليلا لتأكيد القلّة وقليلا صفة مصدر محذوف اى ايمانا قليلا اى قليل (يُؤْمِنُونَ وَلَمَّا جاءَهُمْ) اى اليهود وهو عطف على قالوا قلوبنا غلف (كِتابٌ) القرآن (مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) من التّوراة الّتى فيها نعت محمّد (ص) وعلىّ (ع) وآلهما ومبعثه ومهاجره (وَكانُوا) اى هؤلاء اليهود (مِنْ قَبْلُ) اى قبل ظهور محمّد (ص) بالرّسالة (يَسْتَفْتِحُونَ) بمحمّد (ص) وعلىّ (ع) وآلهما (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمّد (ص) أو بنبوّة الأنبياء أو بنبوّة موسى (ع) ودينه وكانوا يظفّرون على أعدائهم الكفرة بالاستفتاح والاستنصار بهم ، وقصص استفتاحهم مسطورة في المطوّلات مثل الصّافى وغيره (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا) تأكيد للاوّل وزيادة الفاء في التّأكيد مبالغة وتأكيد في التّأكيد والمراد بما عرفوا امّا القرآن أو محمّد (ص) وعلىّ (ع) ونعوتهما ، ولا ينافي التّأكيد هذه المخالفة فانّ مجيء الكتاب المصدّق في قوّة مجيء صاحب الكتاب وقوله تعالى (كَفَرُوا بِهِ) جواب لمّا الاولى ، أو جواب لمّا الاولى محذوف بقرينة جواب لمّا الثّانيّة اى لمّا جاءهم كتاب مصدّق لما معهم كذّبوه فلمّا جاءهم ما عرفوا من نعوت محمّد (ص) وعلىّ (ع) وآلهما وأصحابهما كفروا به ، أو لمّا الثّانية مع جوابها جواب لمّا الاولى وهذا على جواز إتيان الفاء في جواب لمّا وقد منعه البصريّون وجوّزه الكوفيّون (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) تقريع على الكفر بما عرفوا انّه حقّ وأتى بالمظهر موضع المضمر للتّطويل والتّصريح بوصفهم القبيح الّذين يقتضيهما مقام السّخط وللاشعار بعلّة الحكم ؛ ونسب الى علىّ (ع) انّه قال بعد ذكر استفتاح اليهود واستنصارهم على أعدائهم : فلمّا ظهر محمّد (ص) حسدوه إذ كان من العرب وكذّبوه ثمّ قال رسول الله (ص) هذه نصرة الله لليهود على المشركين بذكرهم لمحمّد (ص) وآله الا فاذكروا يا أمّة