الفصل السّابع
في جواز تفسير آيات القرآن وأخبار المعصومين عليهالسلام والنّظر فيها والتأمّل في مفاهيمها
والتّفكّر في معانيها والمراد بها والتّدبّر في مقاصدها والغايات المؤوّل إليها واستعلام
تنزيلها واستنباط تأويلها بقدر استعداد المفسّر النّاظر
اعلم انّ الآيات والاخبار الدالّة على مدح التّدبّر في القرآن وذمّ ترك التدبّر ولزوم التوسّل به ولزوم جعله إماما واتّباع أحكامه والاستنارة بنوره والاستضاءة بضيائه وانّه المنجى حين التباس الفتن ، وانّه شفاء عن داء الجهل ، وانّ فيه دليل الامامة وحجّة الائمّة ، وانّه لا تنقضي عجائبه ولا تبلى غرائبه ، وانّه دليل على المعرفة لمن عرف الصفّة ، وانّه الدّليل على خير سبيل ، وانّ فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ، وانّه ينبغي ان يجلو جال بصره ويبلغ الصّفة نظره ، وانّ من التمس الهدى في غيره اضلّه الله ولا يشبع عنه العلماء ، وانّ من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن اعتصم به فقد هدى الى صراط مستقيم ، وانّه هدى من الضّلالة وتبيان من العمى واستقالة من العشرة ونور من الظّلمة ورشد من الغواية وبيان من الفتن ، وانّ من جعله إمامه الّذى يقتدى به ومعوّله الّذى ينتهى اليه ادّاه الله الى جنّات النّعيم ؛ كثيرة ، وكلّها دالّات على جواز النّظر في آيات القرآن والتأمّل في معانيها وتفسيرها وامتثال أوامرها ونواهيها والاعتبار بقصصها وأمثالها واستنباط اشاراتها واستبطان بطونها ولطائفها لمن كان أهلا لها ، وخطابات الله للنّاس عامّة أو خاصّة تدلّ على جواز النّظر والتأمّل لمن يخاطب بتلك الخطابات ، فمنع بعض من النّظر في الآيات وبيان معانيها وتفسيرها ؛ لا يصغي اليه بعد ما ذكر ، ولمّا كان القرآن والاخبار عبارة عن العبارات الدّالّة على مفاهيمها العرفيّة المراد بها المقاصد المخصوصة المشار بها الى لطائفها وحقائقها وكان تفسير الآيات والاخبار عبارة عن ابانة مفاهيم ألفاظها وكشف الغطاء عن مقاصدها والاشارة الى اشاراتها والإيماء الى لطائفها الّتى اتّصف المفسّر بها والتّنبيه على حقائقها والتّصريح بتنزيلها والتّلويح الى تأويلها لانّ الفسر والتّفسير بمعنى الابانة ، والابانة في كلّ شيء تكون بحسبه كان المفسّر محتاجا الى لغة العرب وعلم اعرابها وهيئاتها واشتقاقها ، وعلم البلاغة والمحسّنات الطارية للكلام المذكورة في صناعة البديع ، والاطّلاع على الاخبار الواردة في تفسير الآيات ، والى علم العقائد العقليّة الاصليّة ، والأخلاق النفسيّة الفرضيّة ، والأحكام الجسميّة الفرعيّة ، والعلم بمقاصدها ومعرفة أشاراتها ، والى الاتّصاف بلطائفها المشعر بإمكان التحقّق بحقائقها ، والى العلم بتنزيلها ومعرفة تأويلها بقدر مرتبته ، والى العلم بالمحكم والمتشابه والنّاسخ والمنسوخ والعامّ والخاصّ لانّه ان لم يعلم العلوم الادبيّة كان كثير الخطاء في بيان المفاهيم والمقاصد ، وان لم يطّلع على ما ورد في تفسير الآيات من الاخبار كان كثير الخطاء في بيان التّنزيل والتأويل ، وان لم يعلم العلوم الدّينيّة كان كثير الخطاء في بيان المتشابهات والمجملات ، وان لم يعرف الإشارات ولم يجد اللطائف في وجوده كان تفسيره ناقصا بل تفسيرا بالرّأى الّذى كان تمامه خطاء ، وهكذا الحال في معرفة التأويل ، وان لم يعلم المحكم من المتشابه والنّاسخ من المنسوخ والعامّ من الخاصّ لم يكن على يقين في بيانه وكان كثير الخطاء فيما بيّنه.