فكأنّه تعالى قال : لمّا كان هذه ديدنهم استمرّوا عليه ولمّا جاءهم رسول من عند الله وضمير جاءهم راجع الى اليهود لكنّه تعريض بمنافقى الامّة ، أو هو راجع الى اليهود الّذين سبق ذكرهم والى منافقي الامّة ابتداء ، ولمّا كان مجيء الرّسول (ص) مستلزما للإتيان بالاحكام الّتى أرسل بها وقد سبق انّ تلك كتاب الله سواء كانت مكتوبة في كتاب أو لم تكن ظهر وجه صحّة التّفسير المنسوب الى الصّادق (ع) من قوله : ولمّا جاءهم جاء اليهود ومن يليهم من النّواصب كتاب من عند الله القرآن مشتملا على وصف محمّد (ص) وعلىّ (ع) وإيجاب ولايتهما وولاية أوليائهما وعداوة أعدائهما (مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) مع اليهود ممّا في التّوراة وممّا وصل إليهم من أسلافهم من أوصافهما وأخبارهما ، ولما مع منافقي الامّة من الدّلائل الواضحة الدّالّة على صدق محمّد (ص) وصدق كتابه وفضل علىّ (ع) ، وممّا في كتاب محمّد (ص) من الآيات المصرّحة بفضل علىّ (ع) وخلافته ، وممّا قاله محمّد (ص) في فضله وخلافته (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وهم اليهود ومنافقو الامّة فانّهم أوتوا أحكام الرّسالة والكتاب التّدوينىّ الّذى هو التّوراة والقرآن (كِتابَ اللهِ) اى المنزل في وصف محمّد (ص) وعلىّ (ع) في التّوراة والقرآن أو جملة التّوراة والقرآن (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) النّبذ الطّرح والتّقييد بقوله (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) اشارة الى الاعراض عنه وعدم الاعتداد به (كَأَنَّهُمْ) اليهود ونواصب الامّة (لا يَعْلَمُونَ) انّ الكتاب أو محمّدا (ص) ونبوّته أو عليّا وإمامته حقّ من الله مع أنّهم يعلمون ذلك فهم أشدّ ممّن خالف من غير علم أو كأنّهم ليس لهم علم وادراك حتّى يميزوا بعلمهم أنّه حقّ أو باطل (وَاتَّبَعُوا) عطف على نبذ فريق يعنى أعرضوا عن الحقّ واتّبعوا (ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) تلا يتلو تلوا تبعه تبعا وتلا عليه يتلو تلاوة قرأه عليه وتلا عليه يتلو كذب عليه.
حكاية ملك سليمان وكونه في خاتمه ورمز ذلك
اعلم أنّ أكثر قصص سليمان كان من مرموزات الأوائل وأخذها المتأخرّون بطريق الأسمار وأخذوا منها ظاهرها الّذى لا يليق بشأن الأنبياء وورد عن المعصومين (ع) تقرير ما أخذوه أسمارا نظرا الى ما رمزها الأقدمون ؛ وأمثال هذه ورد عنهم تكذيبها نظرا الى ظاهر ما أخذها العوام ، وتصديقها نظرا الى ما رمزوا اليه فقد نسب في مجمع البحرين الى الصّادق (ع) انّه قال : جعل الله تعالى ملك سليمان في خاتمه فكان إذا لبسه حضرته الجنّ والانس والطّير والوحش وأطاعوه ، ويبعث الله رياحا تحمل الكرسىّ بجميع ما عليه من الشّياطين والطّير والانس والدّوابّ والخيل ؛ فتمرّ بها في الهواء الى موضع يريده سليمان وكان يصلّى الغداة بالشّام والظهّر بفارس ، وكان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه الى بعض من يخدمه فجاء شيطان فخدع خادمه وأخذ منه الخاتم ولبسه فخرّت عليه الشّياطين والجنّ والانس والطّير والوحش فلمّا خاف الشّيطان ان يفطنوا به ألقى الخاتم في البحر فبعث الله سمكة فالتقمه ثمّ انّ سليمان خرج في طلب الخاتم فلم يجده فهرب ومرّ على ساحل البحر تائبا الى الله تعالى فمرّ بصيّاد يصيد السّمك فقال له : أعينك على ان تعطيني من السّمك شيئا فقال : نعم فلمّا اصطاد دفع الى سليمان سمكة فأخذها وشقّ بطنها فوجد الخاتم في بطنها ، فلبسه فخرّت عليه الشّياطين والوحش ورجع الى مكانه فطلب ذلك الشّيطان وجنوده الّذين كانوا معه فقتلهم وحبس بعضهم في جوف الماء وبعضهم في جوف الصّخرة ؛ فهم محبوسون الى يوم القيامة. ونقل أنّه كان عسكر سليمان مائة فرسخ ؛ خمسة وعشرون من الانس ، وخمسة وعشرون من الجنّ ، وخمسة وعشرون من الطّير ، وخمسة وعشرون من الوحش. وروى انّه أخرج