مع سليمان من بيت المقدّس ستّمائة الف كرسىّ عن يمينه وشماله وأمر الطّير فأظلّتهم وأمر الرّيح فحملتهم حتّى وردت بهم مدائن كسرى ثمّ رجع فبات في فارس فقال بعضهم لبعض : هل رأيتم ملكا أعظم من هذا أو سمعتم؟ ـ قالوا : لا ؛ فنادى ملك من السّماء : تسبيحة في الله أعظم ممّا رأيتم ونسب الى الباقر (ع) انّه قال : لمّا هلك سليمان (ع) وضع إبليس السّحر ثمّ كتبه في كتاب فطواه وكتب على ظهره : هذا ما وضع آصف بن برخيا لملك سليمان (ع) بن داود (ع) من ذخائر كنوز العلم من أراد كذا وكذا فليفعل كذا وكذا ، ثمّ دفنه تحت السّرير ثمّ استبان لهم فقرأه فقال الكافرون : ما كان يغلبنا سليمان (ع) الّا بهذا ، وقال المؤمنون : بل هو عبد الله ونبيّه فعلى ما سبق من سلطنة الشّياطين وفرار سليمان كان معنى الآية كما في تفسير الامام (ع): انّ هؤلاء اليهود الملحدين والنّواصب المشاركين لهم لمّا سمعوا من رسول الله (ص) فضائل علىّ بن ابى طالب (ع) وشاهدوا منه (ص) ومن علىّ (ع) المعجزات الّتى أظهرها الله تعالى لهم عليهما نبذوا التّوراة والقرآن وأفضى بعض اليهود والنّصاب الى بعض وقالوا : ما محمّد (ص) الّا طالب الدّنيا بحيل ومخاريق وسحر ونيرنجات تعلّمها وعلّم عليّا بعضها فهو يريد ان يتملّك علينا في حيوته ويعقد الملك لعلىّ (ع) بعده ، وليس ما يقول عن الله بشيء انّما هو قوله ليعقد علينا وعلى ضعفاء عباد الله بالسّحر والنّيرنجات الّتى يستعملها ، وكان أوفر النّاس حظّا من هذا السّحر سليمان (ع) بن داود (ع) الّذى ملك بسحره الدّنيا كلّها والجنّ والانس والشّياطين ونحن إذا تعلّمنا بعض ما كان يعلمه سليمان تمكّنا من إظهار مثل ما يظهره محمّد (ص) وعلىّ (ع) وادّعينا لأنفسنا ما يدّعيه محمّد (ص) ويجعله لعلىّ (ع) واتّبعوا ما تتلوه الشّياطين اى تتبعه أو تكذبه أو تقرأه مستولين على مملكة سليمان (ع) أو غالبين على سلطنته من السّحر والنّيرنجات الّتى لا يدرك مداركها أحد ، أو اتّبعوا ما تفترى الشّياطين على سلطنة سليمان (ع) من أنّه بالسّحر الّذى نحن عالمون به ، أو اتّبعوا ما تقرأه الشّياطين من السّحر والأوراد الّتى بها يقع تمزيج القوى الرّوحانيّة والطّبيعيّة ويظهر به الخوارق الّتى يعجز عن مثلها البشر وتنفثه على مملكة سليمان لادامته لهم ، وزعم هؤلاء اليهود والنّواصب والشّياطين انّ سليمان كفر (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) ولا استعمل السّحر كما قال : هؤلاء الكافرون (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) حالكونهم (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) أو كفروا لتعليمهم السّحر على ان يكون جوابا لسؤال مقدّر.
تحقيق السّحر
والسّحر اسم لقول أو فعل أو نقش في صفحة يؤثّر في عالم الطّبع تأثيرا خارجا عن الأسباب والمعتاد وذلك التّأثير يكون بسبب مزج القوى الرّوحانيّة مع القوى الطّبيعيّة ، أو بتسخير القوى الرّوحانيّة بحيث تتصرّف على ارادة المسخّر السّاحر وهذا أمر واقع في نفس الأمر ليس محض تخييل كما قيل ، وتحقيقه ان يقال : انّ عالم الطّبع واقع بين الملكوت السّفلى والملكوت العليا كما مرّ ، وانّ لأهل العالمين تصرّفا بإذن الله في عالم الطّبع بأنفسهم أو بأسباب من قبل النّفوس البشريّة ، وانّ النّفوس البشريّة إذا تجرّدت من علائقها وصفت من كدوراتها بالرّياضات الشّرعيّة أو غير الشّرعيّة وناسبت المجرّدات العلويّة أو السّفلية تؤثّر بالأسباب أو بغير الأسباب في أهل العالمين بتسخيرها ايّاهم وجذبها لهم الى عالمها وتوجيههم في مراداتها شرعيّة كانت أو غير شرعيّة ، وإذا كان التّأثير من أهل العالم السّفلىّ تسمّى أسبابه سحرا وقد يسمّى ذلك التّأثير والأثر الحاصل به سحرا ، وإذا كان من أهل العالم العلوىّ يسمّى ذلك التّأثير والأثر الحاصل به معجزة وكرامة ، وقد تتقوّى في الجهة السّفليّة أو العلويّة فتؤثّر بنفسها من دون حاجة الى التّأثير في الأرواح ويسمّى ذلك التّأثير والأثر أيضا سحرا ومعجزة ، فالسّحر هو السّبب المؤثّر في الأرواح الخبيثة