الّذى خفي سببيّته أو تأثير تلك الأرواح وآثارها في عالم الطّبع بحيث خفي مدركها ثمّ أطلق على كلّ علم وبيان دقيق قلّما يدرك مدركه ، ويطلق على العالم بذلك العلم اسم السّاحر ؛ ومنه : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ) على وجه فيستعمل السّاحر على هذا في المدح والذّمّ.
حكاية هاروت وماروت ورموزها
(وَما أُنْزِلَ) ويعلّمون النّاس ما أنزل ، أو هو عطف على ما تتلوا الشّياطين ، أو لفظ ما نافية وهو عطف على ما كفر سليمان ، أو حال عن السّحر اى لم ينزل السّحر (عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ) هما اسمان أعجميّان ولذا لم ينصرفا أو عربيّان مأخوذان من هرت ومرت كما قيل بمعنى كسر ولا وجه حينئذ لعدم صرفهما ، وقيل من هرى بمعنى انضج اللّحم ، ومن مرى من المرية أو من المماراة ، ووزنهما فلعوت مقلوب هريوت ومريوت مثل طاغوت ، ويجوز ان يكون من مار يمور بمعنى تحرّك وتموّج ، أو من مار يمير بمعنى جلب الطّعام الى اهله ، أو من هار الجرف بمعنى انصدع ووزنهما حينئذ فلعوت من غير قلب ، ومنع صرفهما لمكان التّاء والعلميّة. وعن الصّادق (ع) أنّه قال كان بعد نوح قد كثر السّحرة والممّوهون فبعث الله ملكين الى نبىّ ذلك الزّمان بذكر ما يسحر به السّحرة وذكر ما يبطل به سحرهم ويردّ به كيدهم فتلقّاه النّبىّ عن الملكين وأدّاه الى عباد الله بأمر الله عزوجل وأمرهم ان يقفوا به على السّحر وان يبطلوه ونهاهم ان يسحروا به النّاس وهذا كما يدلّ على السّمّ ما هو ، وعلى ما يدفع به غائلة السّمّ ، ثمّ يقال لمتعلّم ذلك : هذا السّمّ ؛ فمن رأيته سمّ فادفع غائلته بكذا ؛ وايّاك ان تقتل بالسّمّ أحدا ، قال : وذلك النّبىّ أمر الملكين ان يظهرا للنّاس بصورة بشرين ويعلّماهم ما علّمهما الله من ذلك ويعظاهم ونسب الى أبى جعفر (ع) انّه قال : انّ الملائكة كانوا ينزلون من السّماء الى الأرض (الى ان قال) فقالت طائفة من الملائكة : يا ربّنا اما تغضب ممّا يعمل خلقك في أرضك وممّا يصفون فيك الكذب (الى ان قال) فأحبّ الله ان يرى الملائكة القدرة ونفاذ أمره في جميع خلقه فأوحى الله الى الملائكة ان انتدبوا منكم ملكين حتّى أهبطهما الى الأرض ثمّ أجعل فيهما من طبائع المطعم والمشرب والشّهوة والحرص والأمل مثل ما جعلته في ولد آدم ثمّ أختبرهما في الطّاعة لي ، قال : فندبوا لذلك هاروت وماروت وكانا من أشدّ الملائكة قولا في العيب لولد آدم (ع) فأوحى الله إليهما : ان اهبطا الى الأرض فقد جعلت لكما مثل ما جعلت لولد آدم ثمّ أوحى الله إليهما : انظرا الّا تشركا بى شيئا ولا تقتلا النّفس الّتى حرّم الله ولا تزنيا ولا تشربا الخمر ؛ فهبطا ناحية بابل فرفع لهما مشرف فأقبلا نحوه وإذا بحضرته امرأة جميلة حسناء متزيّنة عطرة مسفرة مقبلة نحو هما ، قال : فلمّا نظرا إليها وناطقاها وتأمّلاها وقعت في قلوبهما موقعا شديدا فرجعا إليها رجوع فتنة وخذلان وراوداها عن نفسها ، وإجمال الخبر أنّها أمرتهما بسجود الصّنم وشرب الخمر ليتوسّلا بهما الى الزّنا معها ، فتوامرا بينهما وقالا : هذه ثلاثة خصال ممّا نهينا عنه ، فغلبت عليهما الشّهوة فأجاباها فشربا الخمر وسجدا الصّنم فلمّا تهيّأت لهما وتهيّئا لها دخل عليهما سائل يسأل فلمّا ان رآهما ورأياه ذعرا منه فقال لهما : انّكما لمريبان ذعران قد خلوتما بهذه المرأة انّكما لرجلا سوء وخرج عنهما ، فقالت لهما ؛ لا والهى ما تصلان الآن الىّ وقد اطّلع هذا الرّجل على حالكما ويخبر بخبر كما ولكن بادرا الى هذا الرّجل وا قتلاه قبل ان يفضحكما ثمّ دونكما فاقضيا حاجتكما فقتلا الرّجل ثمّ رجعا إليها فلم يرياها وبدت لهما سوآتهما قال الله : اختارا عذاب الآخرة أو عذاب الدّنيا ، فاختارا عذاب الدّنيا وكانا يعلّمان النّاس السّحر في أرض بابل ثمّ لمّا علّما النّاس السّحر رفعا من الأرض الى الهواء فهما معذّبان منكّسان معلّقان في الهواء الى يوم القيامة وقيل : انّ هذه القضيّة وقعت بعد رفع إدريس (ع) الى السّماء فقالت