بعباد الله (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ) وما المتعلّمون بضارّين بما يفرّقون به بين المرء وزوجه أو بما يتعلّمونه (١إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) لمّا توهّم من نبذ الكتاب واتّباع ما تتلو الشّياطين على ملك سليمان وتلاوة الشّيطان واستيلائه على ملك سليمان بما تلاه وتعليم الشّيطان النّاس السّحر وبالجملة من انتساب الأفعال الى المذكورين استقلالهم بها واستبدادهم فيها رفع ذلك التّوهّم بانّ هذه ابتلاءات من الله على أيدى هؤلاء وليس يقع بدون اذنه شيء (وَيَتَعَلَّمُونَ) من الملكين أو من الصّنفين (ما يَضُرُّهُمْ) من أنواع السّحر والنّيرنجات سوى ما يفرّقون به بين المرء وزوجه ، أو المراد أنّهم يتعلّمون ما يضرّهم أعمّ من التّفريق وغيره من قبيل ذكر العامّ بعد الخاصّ للاهتمام بالخاصّ ولتطويل مقام الذّمّ ولذا أتى بالعاطف ، أو المراد أنّهم يتعلّمون من غير الملكين ومن غير الصّنفين ما يضرّهم من العلوم والحرف ، أو أنّهم يتعلّمون من كلّ ما يتعلّمون جهته الدّنيويّة الّتى تضرّهم في دينهم وفي دنياهم تبعا لدينهم ، ولا يتعلّمون الجهة الّتى تنفعهم في دينهم فتنفعهم في دنياهم أيضا (وَلا يَنْفَعُهُمْ) مع أنّهم أمروا بالتّعلّم لينتفعوا والملكين أنزلا ليتعلّموا منهما ما ينفعهم (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) اى اشترى ما تتلو الشّياطين بكتاب الله كأنّ كتاب الله بحسب فطرته كان مملوكا له بخلاف ما تتلو الشّياطين لانّ التّدوينىّ من كتاب الله صورة كتابه التّكوينىّ والصّورة الانسانيّة مختصرة من التّكوينىّ وما تتلو الشّياطين ليس منسوبا الى الانسانيّة بل هو ضدّ ونافر منها فاشتراءه بكتاب الله شراء مبيع خسيس رديء بثمن نفيس مملوك له مملوكيّة ذات الشّيء للشّيء ولذا قال بعيد ذلك (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ،) أو المعنى انّهم علموا لمن اشترى ما يضرّه بما ينفعه كأنّ ما ينفعه مملوك له فجعله ثمنا (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) نصيب (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) كتاب الله فانّه أنفسهم كما عرفت ، أو ما ينفعهم فانّه أيضا من شؤن أنفسهم وشأن الّشيء هو الشّيء بوجه ، أو المقصود أنّهم باشتراء ما تتلو الشّياطين بكتاب الله عرضوا أنفسهم في معرض البيع للّشيطان فباعوها منه بالأعراض والأغراض الفانية ، أو المعنى لبئس ما اشتروا به انانيّتهم كما سبق في نظير الآية (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) لانتهوا عمّا ارتكبوه أو لما اشتروه ، أو المعنى على التّمنّى
تحقيق العلم ومصاديقه وحقيقته
اعلم انّ العلم يطلق على مطلق الإدراك الانسانىّ سواء كان بالمدارك الظّاهرة أو الباطنة ، وسواء كان جزئيّا أو كلّيّا تصوّرا أو تصديقا ، ولا يطلق على ادراك سائر الحيوان لانّه ليس مطلق الإدراك بل الإدراك المأخوذ في مفهومه الشّعور بالشّعور في عرف العامّ والإدراك الموصوف بالاشتداد اى المستعقب لادراك آخر فوق ذلك الإدراك في طريق الإنسان في عرف الشّارعين ، ويطلق على الإدراك الكّلّى أو المركّب مقابل المعرفة الّتى تطلق على الإدراك الجزئىّ أو البسيط ، وعلى التّصديق ظنيّا أو علميّا تقليديّا أو عاديّا أو برهانيّا ، وعلى الفنون العلميّة والصّناعات والحرف العلميّة من دون اعتبار ادراك مدرك لها ، وعلى الملكة الحاصلة للإنسان من ممارستها ومدارستها علما ومواظبتها عملا الّتى يقتدر بها على تفصيل مسائلها وإتقان عملها ، ولمّا كان العلوم والإدراكات متخالفة متضادّة والفنون والصّناعات مختلفة والعلوم والجهالات متشابهة غير متمايزة الّا عند من له بصيرة بداري العلم والجهل ، وانّ أىّ الإدراكات صدر من دار العلم وأيّها من دار الجهل ، وأيّها يؤدّى الى العلم وأيّها يؤدّى الى الجهل ، وهذا البصير نادر الوجود ولكن طالب تلك البصيرة كثير ولتشابه العلوم والجهالات يضلّ كثير من الطّلاب عن طريق