شعورهما كلا شعور ولا يسمّى إدراكا وشعورا فكيف يسمّى علما ، وانّ الحيوان وان كان شعوره شعورا وإدراكا لكن لانفكاك الاشتداد والشّعور بالشّعور عنه لا يسمّى علما فاذا بلغ أو ان التميز وادراك المعقولات من البديهيّات سمّى عالما وإدراكه علما لحصول الشّعور بالشّعور له مع الاشتداد لإدراكه في الطّريق الانسانىّ فعلم من ذلك انّ اسم العلم وقع على الإدراك بعد ما سلب عنه حين صيرورته قرينا للشّعور بالشّعور حالكونه مشتدّا في الطّريق الانسانىّ ، ودوران اطلاق العلم على الإدراك وسلبه عنه على وجود الشّعور بالشّعور وعدمه دليل على اعتباره في اطلاق العلم ، واعتبار اشتداد الإدراك في صدق العلم يستفاد من إشارات الآيات والاخبار وانّ الفطرة قاضية بأنّ العلم يقتضي العمل بمقتضاه لانّ الإنسان العطشان إذا علم انّ خلف الجدار ماء وعلم أنّه لا يصل اليه الّا بالحركة اليه ؛ فعلمه يدعوه الى الحركة اليه ، على أنّ في الاخبار إشارات اليه والعمل يورث العلم بنصوص الاخبار مثل : من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم ، وبإشارات الكتاب مثل قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) حيث جعل التّعليم المورث للعلم ميراث التّقوى ، فالعلم على هذا يقتضي العلم ، وما في سورة التّكاثر صريح في اقتضاء العلم الاشتداد والازدياد من قوله تعالى : (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ* ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) وقد ذكر المولوى قدسسره اقتضاء العلم الاشتداد بقوله.
اين عجب ظنّى است در تو اى مهين |
|
كه نمى پرّد ببستان يقين |
هر گمان تشنه يقين است اى پسر |
|
ميزند اندر تزايد بال وپر |
چون رسد در علم پس پويا شود |
|
مر يقين را علم أو جويا شود |
علم جوياى يقين باشد بدان |
|
وين يقين جوياى ديدست وعيان |
فاذا سمع الإنسان نباح الكلب مثلا وانتقل منه الى تسخّره للغضب ومنه الى تسخّر الغضب لربّ نوعه ، ومنه الى تسخّره لربّ الأرباب كان سماعه علما ، وإذا سمع نبىّ وقته يقول : يا قوم اتّقوا الله وأطيعونى فانّ في طاعتي وسماع قولي فلاح الدّنيا والآخرة ، وأدرك منه لموافقة شاكلته أنّ فلاح الدّنيا بكثرة المال والتّرأّس على العباد والتّبسّط في البلاد سواء حمل ذلك القول من النّبىّ على طلبه ذلك أو لم يحمل لم يكن إدراكه علما بل كان جهلا ، وهكذا الحال في تعلّم الصّناعات العلميّة فانّه إذا تعلّم فانّه إذا تعلّم السّحر للاطّلاع على طرقه الخفيّة لحفظ دين الله وضعفاء عباد الله وابطال السّحر به ، أو تعلّم الشّطرنج للتنبّه على كيفيّة السّير في البيوت والغلبة على الخصم منتقلا به الى سير قواه في مدارج الآخرة والغلبة على الخصم الّذى هو الشّيطان وجنوده كان إدراكه علما ، وإذا تعلّم الفقه أو علم الأخلاق أو علم العقائد الدّينيّة ولم يكن المقصود منه العمل وامتثال الأوامر والنّواهى وتبديل الأخلاق ولا التّرقّى من حضيض العلم الى أوج اليقين والشّهود بل كان مقصوده التحبّب الى النّاس أو التّرأّس عليهم أو الصّيت في بلادهم أو التّصرّف في الأوقاف والوصول الى المناصب الشّرعيّة أو غير الشّرعيّة أو غير ذلك من الأغراض النّفسانيّة كان إدراكه جهلا لا علما فمدار علميّة الإدراك وجهليّته شاكلة الإنسان لا صورة المدرك والصّناعات فربّ متعلّم للفقه كان عبدا للشّيطان بل ابنا له ، وربّ متعلّم للسّحر والشّطرنج والموسيقار الّتى قالوا بحرمة تعلّمها كان إدراكه علما ؛ وبالجملة كلّما أخذ النّاقص بدون الاذن والانقياد للكامل صار في وجوده نقصا وعلّة ، وما أخذه الكامل أو النّاقص بإذن الكامل وانقياده كان كمالا وفضيلة ؛ ونعم ما قال المولوىّ قدسسره :
دست ناقص دست شيطان است وديو |
|
زانكه اندر دام تكليف است وريو |
كاملى گر خاك گيرد زر شود |
|
ناقص ار زر برد خاكستر شود |