والختل (١) وصنف يطلبه للفقه والعقل ، فصاحب الجهل والمراء موذ ممار متعرّض للمقال في أندية الرّجال بتذاكر العلم وصفة الحلم قد تسربل بالخشوع وتخلّى من الورع فدّق الله من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه (٢) ، وصاحب الاستطالة والختل ذو خبّ (٣) وملق يستطيل على مثله من أشباهه ويتواضع للأغنياء من دونه فهو لحلوائهم (٤) هاضم ولدينه حاطم ، فأعمى الله على هذا خبره وقطع من آثار العلماء اثره ، وصاحب الفقه والعقل ذو كأبة وحزن وسهر قد تحنّك في برنسه وقام اللّيل في حندسه ، يعمل ويخشى وجلا داعيا مشفقا مقبلا على شأنه ، عارفا بأهل زمانه ، مستوحشا من أوثق إخوانه ، فشّد الله من هذا أركانه ، وأعطاه الله يوم القيامة أمانه. وهذا الحديث يدلّ على ما ذكرنا من انّ اعتبار جهليّة الإدراك وعلميّته انّما هو بشأن المدرك ونيّته لا بحال المدرك المعلوم وشرافته وخساسته فانّ المراد بالعلم في قوله (ع) : طلبة العلم ؛ مطلق الإدراك المطلق عليه العلم بمفهومه العرفىّ ، وقوله (ع) صنف يطلبه للجهل يعنى يطلب العلم اى الإدراك أو المدرك للجهل يعنى يجعل غاية طلبه للعلم الجهل وهذا بظاهره متناقض وبيانه بحيث لا يتوهّم تناقض ان نقول : انّ الإنسان له قوّة درّاكة ويعبّر عنها بالقوّة العلّامة والقوّة النظريّة ، وقوّة عمليّة ويعبّر عنها بالقوّة العمّالة ، والقوّة العمّالة تنشعب الى الشّهويّة الّتى تجذب المنافع والملاذّ والغضبيّة الّتى تدفع المضارّ والمولمات وهذه الثّلاث امّا مسخّرة للعاقلة وخادمة لها ولا يكون تسليمها للعاقلة الّتى هي رسول باطنيّ الّا إذا صارت منقادة لولىّ أمره الّذى هو عقل خارجىّ أو مسخّرة للشّيطان وخادمة له فان كانت خادمة للعاقلة كان ادراك العلّامة علما ومورثا للعمل الاخروىّ وللعلم الآخر وكان عمل العمّالة للآخرة سواء كان شهويّا أو غضبيّا ، ومورثا لعلم آخر غير العلم الّذى صار محرّكا له على العمل ، وان كانت مسخّرة للشيطان كان إدراكه مورثا لازدياد جهله فانّ الجهل الحقيقىّ هو ملك الشّيطان وليس المراد به الجهل الّذى هو عدم لملكة العلم بل المراد به ازدياد الإدراك الّذى يصير سببا لسعة النّفس الّتى سعتها قبل التّسليم سعة ملك الشّيطان ، وكثيرا ما يورث هذا الإدراك إدراكا آخر هو جهل آخر. وقول علىّ عليهالسلام في حديث أقسام النّاس : انّ النّاس آلوا بعد رسول الله (ص) الى ثلاثة ؛ آلوا الى عالم على هدى من الله قد أغناه الله بما علم عن علم غيره ، وجاهل مدّع للعلم لا علم له معجب بما عنده قد فتنته الدّنيا وفتن غيره ، ومتعلّم من عالم على سبيل هدى من الله ونجاة ؛ (الى آخر الحديث) اشارة الى ما ذكرنا ؛ فانّ المراد بالجاهل المدّعى للعلم المعجب بما عنده المفتتن بالدّنيا ؛ والمفتّن غيره ليس الجاهل السّاذج بل الّذى سمّاه أشباه النّاس عالما واكتنز من قشر العلوم كنوزا وجعلها لمآربه معدّة ، ولا علم له بالمعنى الّذى ذكر مع انّه مليء بالإدراكات الجهليّة المورثة لازدياد ملك الشّيطان الّذى هو ملك الجهل ، وكان عمله بتسخير الشّيطان جلبا لما اشتهته نفسه ، ودفعا لما لا يلائم نفسه من غير اعتبار للتّأدية الى الآخرة وهذا المسخّر للشّيطان بقوّته الدّراكة وحيلته الشّيطانيّة يريد مداما ارائة مدّخراته للخلق فيتعرّض للمقال في أندية الرّجال ويؤذى جليسه بإعجابه بنفسه وإظهاره مزخرفاته ويمارى من يظنّه مثله أو فوقه ؛ ونعم ما قال المولوىّ قدسسره :
علم تقليدي وتعليمي است آن |
|
كز نفور مستمع دارد فغان |
__________________
(١) الختل كالضرب من باب ضرب ونصر الخديعة ؛ ختل ختلا وختلانا.
(٢) الحيزومة الصدر أو وسطه أو ما استدار على الظهر والبطن وما اكتنف الحلقوم من الصدر ، والخب بالكسر الخداع والخبث والغش.
(٣) الحلواء مقصورا وممدودا معروف ، والحلوان بضم الحاء وبالنون اخره الدلال والكاهن ومهر المرأة ، أو ما تعطى على متعتها أو ما يعطى من نحو رشوة ومثلها.