الفصل الثّامن
في الفرق بين الظهر والبطن والتنزيل والتأويل والمحكم والمتشابه
والنّاسخ والمنسوخ والعامّ والخاصّ
اعلم انّ القرآن كلام الحقّ الاوّل تعالى وقد ظهر اوّل ما ظهر مطلقا عن جميع التعيّنات الامكانيّة وبهذا الاعتبار يسمّى بنفس الرّحمن ، ولجواز اتّصافه بجميع التعيّنات لكونه لا بشرط شيء ولا بشرط لا شيء يسمّى بإضافته الاشراقيّة وبمقام كن ، ولظهور الغيب به بنحو الإجمال والبساطة مثل ظهور ما في الصّدور في الكلمات يسمّى بكلمته ، ولاشتماله على جميع الوجودات الامكانيّة بنحو أشرف وأعلى يسمّى بالقرآن وبجمع الجميع ، كان خلقه القرآن ، ولمّا كان القرآن بإطلاقه وكلام الله في اوّل ظهور لا يقوم لسماعه السّموات والسّماويّات ولا الأرض والارضيّات أنزله تعالى عن مقام إطلاقه وحجبه بحجب التعيّنات العقليّة بمراتبها فصار العقول بفعليّاتها ووجوداتها مصاديق القرآن ثم أنزله وحجبه بحجب التعيّنات النفسيّة فصارت النّفوس بفعليّاتها مصاديق له ثم أنزله وحجبه بحجب التعيّنات المقداريّة النّورية فصار عالم المثال بمراتبها مصاديق له ، ثم نزّله وحجبه بحجب التعيّنات الطّبيعيّة فصارت الأجسام الطّبيعيّة مصاديق له ، ثمّ نزّله الى انزل مراتب الوجود وألبسه لباس الصّوت والحروف والكتابة والنّقوش حتّى يطيقه الأذان والأبصار البشريّة فصارت الحروف والنّقوش مصاديق له ، ولكون جميع مراتب الوجود مصاديق للقرآن صار تبيانا لكلّ شيء ولا رطب ولا يابس الّا كان فيه ، إذا عرفت ذلك فاعلم انّ مصاديقه المحسوسة الطّبيعيّة ظهوره ومصاديقه الرّوحانيّة بطونه ، وباعتبار تعدّد المراتب الرّوحانيّة كلّياتها وجزئيّاتها ذكر تعدّد البطون في الاخبار الى سبعين ألفا ، ولمّا كان المنزل فيه لكلّ اية وأمثال المنزل فيه جميعا مصاديقها وكان المنزل فيه أظهر مصاديقها ورد انّ لكلّ ظهر ظهرا ، ولمّا كان كلّ مرتبة من الرّوحانيات بالنّسبة الى دانيتها بطنا ورد انّ لكلّ بطن بطنا ، وتنزيل القرآن ان كان بمعناه المصدري كان عبارة عن جعله صادقا على المصاديق الطّبيعيّة ، وان كان بمعنى المنزل فيه كان عبارة عن نفس تلك المصاديق ، وتأويله عبارة عن ارجاعه الى المصاديق الرّوحانيّة أو عن نفس تلك المصاديق ولمروره على تلك المصاديق حين النّزول سمّى جعله صادقا عليها ارجاعا ، وما ورد في بعض الاخبار من تسمية بعض المصاديق الطّبيعيّة تأويلا اشارة الى انّ تعميم الاية للمنزل فيه المخصوص ولأمثاله الّتى تأتى بعد زمان النّزول لا يكون الّا بإرجاعها عن خصوصيّات الشّخص المنزل فيه الى معنى كلّى يصدق على المنزل فيه وعلى أمثاله ، وهكذا الحال في تسمية المصاديق الطّبيعيّة الّتى هي غير المنزل فيه بطنا وللاشارة الى تفسير التّنزيل والتّأويل ورد انّ تفسير القرآن لا يجوز الّا بالنصّ الصّريح والأثر الصّحيح يعنى انّ معرفة التّنزيل من القرآن محتاجة الى بيان من نزل القرآن في بيوتهم ، ومعرفة تأويله محتاجة الى ان يدرك الإنسان انموذجات المصاديق الرّوحانيّة في وجوده الّتى هي آثار المصاديق الرّوحانيّة أو المقصود انّ بيان التّنزيل والتّأويل لا يجوز الّا بواحد منهما أو بكليهما يعنى لا يجوز التّفسير الّا بإلقاء السّمع والتّقليد المحض أو بالتحقّق بوجدان الآثار في القلب وباعتبار المصاديق الطّبيعيّة والرّوحانيّة وانموذجاتها في وجود الإنسان ورد عن الصّادق (ع) انّ كتاب الله على اربعة أشياء العبارة والاشارة واللّطائف والحقائق ؛ فالعبارة للعوامّ ، والاشارة للخواصّ ، واللّطائف للأولياء (ع) ، والحقائق للأنبياء (ع) فالعبارة عبارة عن العبارات والنّقوش الدّالّة على المفاهيم العرفيّة الصّادقة على المصاديق الحسيّة