عليه (ص) وكره قبلتهم فصعد جبرئيل (ع) بعد اخباره ايّاه بذلك ثمّ عاد فقال اقرأ : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) (الآيات) فقالت اليهود : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) فأجاب تعالى بقوله : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) فعيّروه بأنّه ان كان الاولى حقّة فالثّانية باطلة ، وان كان الثّانية حقّة فالاولى كانت باطلة ، فنزلت هذه الآية يعنى انّ الله يقدر على نسخ حكم والإتيان بحكم آخر يكون أصلح لكم وأنفع بحالكم (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيتصرّف فيهما على ما اقتضته حكمته (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) بنفسه بحسب نفس الأمر وبتوسّط خلفائه بحسب ظاهر الأمر أو من دون ذاته بحسب التّكوين ومن دون خلفائه بحسب التّكليف ، أو من دون الله في مظاهره العالية والدّانية تكوينا وتكليفا (مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).
تحقيق الولىّ والنّصير
اعلم انّ الإنسان خلق محتاجا في بقائه واستكماله في ذاته وصفاته ومعرضا لما يفنى ذاته وكمالاته الحاصلة ولما يمنعه عن الوصول الى كمالاته المترقّبة له فاحتاج الى ما يجذب اليه ما يحتاج اليه في بقائه واستكماله ، والى ما يدفع عنه ما يفنيه ويمنعه عن كماله وكان سنّة الله ان يجرى الأشياء بالأسباب فخلق تعالى فيه قوّة شوقيّة خادمة للشّهويّة والغضبيّة الخادمتين للمدركة المنشعبة الى قوى عديدة باعثة على الحركة مستخدمة للقوّة المحرّكة المودعة في الاعصاب المستخدمة للاعصاب والرّباطات وبتوسّطها للأعضاء فتجذب بسبب الأعضاء وحكم القوّة الشّهويّة ما يلائمه وتدفع بسبب الأعضاء والقوّة الغضبيّة ما يضرّه ؛ هذا بحسب مقام جسمه ، وأمّا بحسب مقام روحه فله ما ينفعه وما يضرّه وأصل النّافعات الملك الزّاجر الموكّل عليه من الله ، وأصل الضّارّات الشّيطان المغوى الموكّل عليه فجعل الله تعالى له حكمة نظريّة يبصر بها ببصيرته تصرّف الملك وزجره ، وتصرّف الشّيطان واغوائه ، وحكمة عمليّة تخدم القوّتين اللّتين بهما الحبّ في الله والبغض في الله بإزاء الشّهويّة والغضبيّة وهما تخدمان الحكمة النّظريّة ، ولمّا جعل العالم الصّغير نسخة موجزة عن الكبير وحاكية عمّا في الكبير والتّكليف مطابقا للتّكوين كان في الكبير لا محالة قوّة جاذبة لنافع الإنسان وقوّة رادعة لضارّه سواء كانت تانك القوّتان في شخص واحد أو في شخصين ، والولىّ هو الّذى يكون مربّيا بجذب ما ينفع المولّى عليه في بقاء ذاته وحصول كمالاته ، والنّصير هو الّذى يكون دافعا عنه ما يضرّه وبوجه آخر الولىّ من يكون داخلا في ملكه ، والنصير من يكون خارجا حاميا ، والقوّة الشهويّة والقوّة المورثة للحبّ في الله في الدّاخل كالولىّ في الخارج ، والقوّة الغضبيّة والقوّة الموجبة للبغض في الله كالنّصير ، وكلّ رسول بولايته ولىّ لأمّته وبرسالته نصير ؛ وهكذا كان حال الأوصياء فانّهم كانوا بولايتهم أولياء وبخلافتهم أنصارا وكلّ رسول في زمانه كان وليّا وخليفته نصيرا فانّ الرّسول (ص) في زمانه مربّ وخليفته حام فمحمّد (ص) في حيوته كان إماما ناطقا بشيرا وليّا هاديا مربّيا رحيما ، وعلىّ (ع) إماما صامتا منذرا نصيرا حاميا قتّالا ؛ ولذا قال (ص): أنا وعلىّ أبوا هذه الامّة ، وقوله (ص): أنا المنذر وعلىّ الهاد ؛ اشارة الى حيثيّة رسالته وولاية علىّ (ع) ؛ (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) باعتبار شأن الرّسالة ، (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ؛) باعتبار شأن الولاية ، ولاقتضاء تعدّد العنوان تعدّد المظهر كانت الدّعوة في الأغلب بتظاهر نفسين إحداهما مظهر عنوان الولىّ والاخرى مظهر عنوان النّصير.
(أَمْ تُرِيدُونَ) أم معادلة لهمزة (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ،) و (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ؛) تأكيد له أو بدل عنه بدلا تفصيليّا والإتيان بخطاب الجمع في قوله (وَما لَكُمْ