وعلى هذا الوجه فمعنى الآية الى اىّ جهة توجّهتم فثمّ وجه الله (وَقالُوا) اليهود والنّصارى والمشركون (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) حين قالوا : عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله ، والملائكة بنات الله ، وهو عطف على أقوالهم السّابقة وإظهار لحمق آخر لهم (سُبْحانَهُ) مصدر سبح كمنع بمعنى تنزّه يعنى تنزّه عن نسبة الولد والنّقائص اللّازمة منها من الحاجة والتّحديد والاثنينيّة تنزّها (بَلْ لَهُ) من حيث انّه مصدر الكلّ ومنتهاه ومالكه (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) اى السّماوات والأرض وما فيهما فلا يكون شيء فيهما ولدا له وعلى تعميم السّماوات لسماوات الأرواح والأراضي لجملة عالم الطّبع فلا يكون ممّا سوى الله ولد له فانّ الولد نسبته الى الوالد ليست نسبة المملوكيّة (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) القنوت الدّعاء والطّاعة والتّواضع وهذه شأن العبيد لا الأولاد الّذين إذا بلغوا كانوا مماثلين مجانسين للوالد (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) منشئهما من غير مثال سبق ولا مادّة ولا زمان ولا آلة ولا أسباب ، بدع كمنع وأبدع وابتدع خلق من غير مثال وتهيّة أسباب و (إِذا قَضى أَمْراً) عطف على جملة سبحانه ، أو (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) أو (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أو (بَدِيعُ السَّماواتِ) والمعنى بل هو إذا قضى امرا (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وليس شأنه شأن النّاقصين في التّوالد المحتاجين الى زوج وحركات وانفصال مادّة وانقضاء مدّة ، ولا شأن النّاقصين في الأفعال المحتاجين الى مثال ومادّة ومدّة وآلات وأسباب في فعلهم وهذه العبارة كثيرة الورود في الكتاب والسّنّة ووردت بلفظ الارادة والمشيّة والقضاء والمقصود واحد لانّ كلّ هذه من مقدّمات الفعل فانّه لا يكون شيء الّا بعلم ومشيّة وارادة وقدر وقضاء وإمضاء وقد ينحلّ الإمضاء الى الاذن والكتاب والأجل وقد يؤدّى بلفظ الإمضاء الّذى هو إجمال هذه الثلاثة ولمّا كان العلم الّذى قبل المشيّة من صفات ذاته تعالى وعين ذاته ولم يعدّ الفاعل من مقدّمات الفعل بل المقدّمات هي الّتى تحتاج الفعل إليها حين إيجاد الفاعل له لم يعدّ العلم في الاخبار من مقدمّات الأفعال وليست هذه في الحقّ الاوّل تعالى كالاناسىّ تحدث بعد ما لم تكن وتفنى بعد ما تحدث فانّ مشيّته تعالى وكذا إرادته وقدره وقضاءه وإمضاءه ازليّة ابديّة وانّما الحدوث من قبل الحادثات لانّ هذه بالنّسبة الى الله كالاشعّة بالنّسبة الى الشّمس وإذا فرضت الشّمس في وسط السّماء ثابتة وفرضت الاشعّة أيضا دائمة بدوامها وكانت السّطوح متدرّجة في المقابلة للاشعّة كان الحدوث لاستضاءة السّطوح بالاشعّة لا للاشعّة فانّ الله إذا شاء وأراد وقدّر وقضى شيئا فانّما يقول له وقوله اذنه : [كن ؛] وكلمة كن منه كتابه فيكون المفعول ويوجد ، فقوله تعالى (إِذا قَضى) اشارة الى القضاء الّذى هو بعد القدر وينتزع الإيجاب منه و «يقول» اشارة الى الاذن الّذى هو جزء من الإيجاد الّذى ينحلّ الى الاذن والكتاب والأجل و «كن» اشارة الى الكتاب والأجل ، وقوله ليس بنداء يسمع ولا بصوت يقرع (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) من المشركين وكذا من اليهود والنّصارى وهو عطف على أقوالهم السّابقة وإظهار لسفاهة أخرى لهم ومفعول الفعل امّا منسىّ أو مقدّر اى لا يعلمون انّ الخلق لا يطيقون استماع كلام الله تعالى ولو سمعوا لهلكوا ما لم يصف نفوسهم عن رين المادّة وانّ الآية المقترحة لعلّهم لا يطيقونها أو لا يكون صلاحهم فيها (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) حتّى نسمع كلامه ونؤمن به (أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) حتّى نشاهدها ونؤمن بها (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) كما قال أمّة موسى (ع) له