(أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) وكما قال أمّة عيسى (ع) (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ)(تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) في الجهل والعمى عمّا ينفعهم والعناد واللّجاج (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) استيناف بيانى كأنّه قيل الم يظهر حقّيّة الحقّ ورسوله حتّى سألوا مثل هذا السّؤال فقال تعالى : (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ) ولم نتركهم بلا بيّنة لكنّهم أهل شكّ وريبة وليسوا أهل عقل وايقان حتّى أيقنوا بما من شأنه ان يوقن به ولو جئناهم بكلّ آية مقترحة أو غير مقترحة لما أيقنوا وما قبلوا (إِنَّا أَرْسَلْناكَ) استيناف بيانىّ أيضا كأنّه قال (ص) : فما أصنع مع هؤلاء وليس من شأنهم الإيقان وقد أمرتنى بدعوتهم؟ ـ فقال : انّا أرسلناك (بِالْحَقِ) برسالة حقّة أو متلبّسا بالحقّ أو مسبّبا رسالتك عن الحقّ (بَشِيراً وَنَذِيراً) يعنى شأنك التّبشير والإنذار قبلوا أو ردّوا أيقنوا أو شكّوا ، وليس من شكّهم وردّهم وبال وعقوبة عليك (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) قرء بالنّفى مبنيّا للمفعول وبالنّهى مبنيّا للفاعل وعلى قراءة النّهى فالمقصود تهويل عذابهم ونارهم لا ما قاله بعض العامّة انّه نهى للرّسول (ص) عن السّؤال عن حال أبويه العياذ بالله والجحيم النّار الشّديدة التّأجّج وكلّ نار بعضها فوق بعض وكلّ نار عظيمة في مهواتها ، والمكان الشّديد الحرّ وجحم من باب منع بمعنى أوقد ، ومن باب كرم وفرح بمعنى اضطرم (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى) عطف على جملة لا تسأل أو جملة انّا أرسلناك (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) اقناط له (ص) عن رضاهم بأنّهم لا يرضون عنه الّا بما هو محال عنده وردع للمؤمنين عن طلب رضاهم (قُلْ) للمؤمنين (إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) لا استرضاء اليهود والنّصارى ورضاهم ، أو قل لليهود والنّصارى : انّ هدى الله هو الهدى لا ما اعتدتموه من الملّة المأخوذة من الآباء المهويّة لكم بسبب اعتيادها (لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) آراء أنفسهم من غير مداخلة العقل أو مهويّاتهم (بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) بحقّيّة ملّتك وبطلان ملّتهم وآرائهم (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) لم يأت بالفاء لكونه جوابا للقسم لا للشّرط وهو على «ايّاك اعنى واسمعي يا جارة» تعريض بأمّته (ص) (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) لا للّذين أوتوا الكتاب فأشار الى امتيازهم من أهل الكتاب بتشريف نسبة الإيتاء الى نفسه يعنى الّذين استعدّوا بفطرتهم وبقابليّتهم المكتسبة لإيتاء الكتاب فآتيناهم أحكام النّبوّة وصور الكتب السّماويّة مشتملة على معانيها الواقعيّة والجملة مستأنفة جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : فلا يؤمن أهل الكتاب بمحمّد (ص) ورسالته أو بكتابهم أو بكتابه (ص) أو بجنس الكتاب ولا يتلوه وهو تسلية للرّسول والمؤمنين بأنّ الّذين آتاهم الله الكتاب وكلّ واحد منهم خير من الف الف من الّذين آتاهم الشّيطان كتابا (يَتْلُونَهُ) خبر أو حال أو معترضة جواب لسؤال مقدرّ قبل تمام الكلام كأنّه قيل : ما يفعل من شرفته بإيتاء الكتاب؟ ـ فقال تعالى : يتلونه (حَقَّ تِلاوَتِهِ) نسب الى الباقر (ع) أنّه قال : يتلون آياته ويتفقّهون فيه ويعملون بأحكامه ويرجون وعده ويخافون وعيده ويعتبرون بقصصه ويأتمرون بأوامره وينتهون بنواهيه ما هو والله حفظ آياته ودرس حروفه وتلاوة سوره ودرس أعشاره وأخماسه ؛ حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده ، وانّما هو تدبّر آياته والعمل بأحكامه ؛ قال الله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) فالّذين آتاهم الله الكتاب وشرّفهم بذلك يحزنهم ترك الرّعاية والقصور