والتّقصير في مراعاته والّذين آتاهم الشّيطان الكتاب أو أخذوه من الآباء بحسب ما اعتادوه أو تلقّفوه من الرّجال بحسب ما تدارسوه فانّهم يعجبهم حفظ الرّواية ولا يبالون بترك الرّعاية (أُولئِكَ) العظماء (يُؤْمِنُونَ بِهِ) بالكتاب أو بمحمّد (ص) أو بالله على ان يكون في الكلام التفات ومحلّ الجملة يعلم بالمقايسة الى الجملة السّابقة (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) لا خاسر سواهم (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) قد مضى الآيتان الّا انّ الآية الاخيرة كانت فيما مضى هكذا (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) وكرّر الآيتين لكمال الاهتمام بالنّصح وللاشعار بأنّ أصل جملة النّصائح تذكير النّعم والموت والتّهديد منه بجعلها مقدّمة للنّصائح وفذلكة لها.
تحقيق ابتلاء إبراهيم بكلمات
(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) ابتليته اختبرته وامتحنته أو استخبرته فأبلانى اى أخبرنى وكلا المعنيين صحيح هنا والمعنى امتحنه بسبب عرض كلمات عليه هل يعلمه أو يتحمّله أم لا أو استخبره كذلك وقرئ إبراهيم ربّه برفع إبراهيم ونصب ربّه بمعنى سأل إبراهيم ربّه على ان يكون ابتلى بمعنى استخبر المستلزم للّسؤال ، والكلمات جمع الكلمة وهي في عرف الأدباء لفظ موضوع لمعنى مفرد ، وفي اللّغة اللّفظة والقصيدة وتستعمل في كلّ لفظ موضوع مفردا كان أم مركّبا ، ناقصا أم تامّا ، وفي الكلمات النّفسيّة كذلك ، وفي عرف الشرع تستعمل في الكلمات اللّفظيّة والنّفسيّة كاللّغة ، وفي الكلمات الوجوديّة الّتى هي مراتب الوجود طولا وأنحاء الوجودات عرضا ، فانّ خصوصيّات المصاديق غير معتبرة في مفاهيمها عندهم فانّ القلم مثلا اسم لما يكتب به وليس كونه قصبا أو حديدا أو غير ذلك معتبرا في مفهومه ، والكلمة ما دلّ على معنى من دون اعتبار خصوصيّة اللّفظ أو النّقش أو الوضع من واضع بشرىّ فيها ، وقد كثر اطلاق الكلمات في الآيات والاخبار على أنحاء الوجودات والمراد بالكلمات مراتب الوجودات الّتى هي شؤن انسانيّة الإنسان المستلزمة للكمالات الانسانيّة النّفسيّة والاضافيّة من الأخلاق والنّبوّات والرّسالات والامامات ، والمراد بالابتلاء بهنّ عرضهن عليه بايداع أنموذج من كلّ في وجوده بحيث يستشعر ويلتذّ به ويشتاق الى أصله فيجول بشوقه حتّى يبلغ الى حقيقته وتمكّن وتحقّق بها فانّه إذا أراد الله بعبد ان يظهر منه خيرا أو شرّا ابتلاه بشيء من الغيب بمعنى انّه ينبّهه على انّ ما وراء الشّهادة شيء فيظنّ اوّلا ذلك الشيء ويشتاقه فقد يجول حول ظنّه وقد يسكن عن الحركة الى مآرب نفسه حتّى يصير ظنّه علما فيشتدّ شوقا فقد يجول حول علمه أكثر من جولانه حول ظنّه وقد يسكن عن الحركة الى ما اقتضته نفسه حتّى يصير علمه وجدانا بايداع أنموذج ذلك الأمر في نفسه شاعرا كان في تلك المراتب بظنّه وعلمه ووجدانه أو غير شاعر فيجول حول وجدانه أكثر من جولانه السّابق حتّى يصير وجدانه شهودا فيجول حول مشهوده أكثر من السّابق حتّى يتّصل فيلازم المتّصل به حتّى يتّحد فيلازم حتّى يبقى المتّحد به وحده وكلّ من تلك المراتب له درجات بحسب اشتداده وضعفه وللسّالك في الدّرجات حالات بحسب تلوينه وتمكينه ، وان سكن المتنبّه وحام حول نفسه عن مظنونه ومعلومه كان كمن آتاه الله آياته فانسلخ منها وظهر شرّه ، والمراد بإتمام الكلمات إتمامها من حيث الاضافة اليه عليهالسلام لا من حيث أنفسها فانّها تامّات من حيث أنفسها بل فوق التّمام وتماميّته اضافتها بالتمكّن في التحقّق بها وهو آخر المراتب والدّرجات ، فالمعنى واذكر حتّى تكون على بصيرة في أمرك