أو في أمر من تعلّمه السّلوك الى الآخرة أو ذكّر حتّى يعلم من يريد السّلوك الى الله وقتا ابتلى إبراهيم (ع) ربّه بإذاقة طعم من اللّطائف الوجوديّة الغيبيّة واشمام رائحة منها فوجد والتذّ واشتاق واهتزّو انماث وطاب ووصل واتّصل واتّحد (فَأَتَمَّهُنَ) وصار واحدا متحقّقا متمكّنا ولمّا كان ظهور لطائف الأنوار الخمسة محمّد (ص) وعلىّ (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) أو الاثنى عشر أو الاربعة عشر من لوازم إتمام تلك الكلمات ، وهكذا الحال في الامتحان بذبح الولد فسّر الكلمات في الاخبار بها ، ولمّا كان إبراهيم (ع) بالنّسبة الى محمّد (ص) ناقصا وان كان بالنّسبة الى سائر الأنبياء تامّ الكلمات أتى بالجمع السّالم خاليا عن اللّام مفيدا للقلّة بخلاف محمّد (ص) حيث قال فآمنوا بالله ورسوله النّبىّ الامّىّ الّذى يؤمن بالله وكلماته فأتى بالكلمات مضافة مفيدة للعموم ، ولمّا أتمّ الكلمات وأتمّت له العبوديّة والنّبوّة والرّسالة والخلّة فانّها كانت من لوازم تلك الكلمات وبتماميّتهن تكون تماميّتها
تحقيق مراتب الخلق من النّبوّة والرّسالة والخلّة والامامة
(قالَ) تشريفا له (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) وهذه الامامة غير إمامة امام القوم في ضلالة كانت أم في رشد ، وغير إمامة امام الجماعة والجمعة حقّا كان أم باطلا ، وغير الامامة الحقّة الجزئيّة الّتى اتّصف بها مشايخ الاجازة في الرّواية أو في الهداية ، وغير الامامة الحقّة الجزئيّة الّتى اتّصف بها كلّ نبىّ ووصىّ بل هي فوق كلّ المراتب الانسانيّة وهي مقام التّفويض الكلّىّ الحاصل بعد الولاية والرّسالة الكلّيّتين ولذا ورد عن الصّادق (ع): انّ الله تبارك وتعالى اتّخذ إبراهيم عبدا قبل ان يتّخذه نبيّا ، وانّ الله اتّخذه نبيّا قبل ان يتّخذه رسولا ، وانّ الله اتّخذه رسولا قبل ان يتّخذه خليلا ، وانّ الله اتّخذه خليلا قبل ان يجعله إماما ، فلمّا جمع له الأشياء قال : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فالامامة آخر جميع مراتب كمالات الإنسان فانّ اوّل كمالاته العبوديّة من اولى درجاتها ، وهي اولى درجات السّلوك الى الطّريق متدرّجا فيه الى الوصول الى الطّريق متدّرجا في السّلوك على الطّريق الى الله الى ان خرج من انانيّته ورقيّة نفسه ودخل في زمرة عباده واستكمل العبوديّة وصار عبدا خالصا ، فان أدركته العناية وأبقاه الله بعد فنائه وأحياه بحيوته لتكميل خلقه فامّا ان يوكّله بإصلاح قلبه الّذى هو بيت الله حقيقة وبإصلاح أهل مملكة نفسه من غير اذن له في الرّجوع الى خارج مملكته وهو مقام النّبوّة المفردة عن الرّسالة ، أو يأذن له مع ذلك بإصلاح المملكة الخارجة وهو الرّسالة المفردة عن الخلّة ، أو يختاره مع ذلك لنفسه ممتازا به عن سائر رسله معيدا له كرّة أخرى غير العود الاوّل فانّ العود الاوّل كان بطرح كلّ ما أخذ وبهذا العود يعود معه جميع ما أعطاه الله وهو جميع ما سواه وهو الخلّة ، فان استكمل مقام الخلّة بان كان مقامه مع الحقّ هو مقامه مع الخلق مع التمكّن في ذلك اختاره للامامة وتفويض جملة الأمور اليه بحيث لا يسقط ورق من شجر الّا بإذن وكتاب وأجل منه ، وليس وراء هذه مقام ومرتبة. وقد علم من هذا انّ كلّ امام خليل ، وكلّ خليل رسول ، وكلّ رسول نبىّ ، وكلّ نبىّ عبد ؛ وليس بالعكس ، وانّ الامامة بهذا المعنى هو الجمع بين المقام في الخلق والمقام عند الحقّ من غير قصور في شيء منهما مع التّمكّن في ذلك ولمّا نظر إبراهيم (ع) الى مقام الامامة وشرافتها وكان حافظا للخلق مع المقام عند الحقّ اقتضى مقامه في الخلق مراعاة أرحامه الجسمانيّة والرّوحانيّة فتبجّح بما أعطاه الله وسأل ذلك لا عقابه ، ولمّا علم أنّ جميع ذراريه لا يمكن ان يكونوا بهذا الشّأن (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) بمن التبعيضيّة عطفا على ضمير الخطاب في جاعلك ، وقد يفعل مثل ذلك المتخاطبان فيعطف أحدهما